ومنها ما لو اختلفا فقال العامل: أنها إعارة، وقال المالك: إنها غصب، ولم يدع عقدا محللا كما تقدم، فالقول هنا قول المالك بيمينه، لا صالة عدم الإعارة، وبقاء منافع أرضه على ملكه، وعدم خروجها عنه بعارية ولا غيرها، ومتى حلف على نفي دعوى العارية وثبت كون وضع الزرع فيها بغير وجه شرعي تخير المالك بين قلعه وبين مطالبته بأجرة المثل، لما مضى من المدة، وأرش الأرض إن نقصت، وطم الحفر ونحو ذلك مما يلزم الغاصب كما يأتي انشاء الله تعالى - في كتاب الغصب، وإن اتفقا على بقائه بأجرة جاز.
ونقل في المسالك عن التذكرة أنه يحلف العامل على نفي الغصب، ولم يذكر يمين المالك، ورتب باقي الأحكام، ثم قال: والحق ما ذكر هنا من أن الحالف المالك على نفي العارية لا غير، انتهى.
الثامنة - قد صرح الأصحاب من غير خلاف يعرف بأنه يجوز للعامل أن يشارك غيره في العمل بالحصة المعلومة، وأن يزارع غيره من غير توقف على إذن المالك، إذا لم يكن شرط عليه العمل بنفسه، لما سيأتي في الإجارة إن شاء الله.
ولكن لا يسلم الأرض إلا بإذن المالك، وإلا كان ضامنا، كما يأتي في الإجارة أيضا، والأصل في ذلك عندهم أنه لما كانت المزارعة من العقود اللازمة الموجبة لنقل منفعة الأرض إلى العامل بالحصة المخصوصة، كان للعامل نقلها إلى غيره، والمشاركة فيها لعموم " الناس مسلطون على أموالهم (1) " فلا يتوقف ذلك على إذن المالك، إذ لا حق له في المنفعة.
نعم تسليم الأرض يتوقف على إذنه كما عرفت، واشترط بعضهم في جواز مزارعة غيره كون البذر من العامل، ليكون تمليك الحصة منوطا به، وبه يفرق بينه وبين عامل المساقاة، حيث لا يصح له أن تساقي غيره كما سيأتي إن شاء الله تحقيقه في المطلب الثاني، ولأن البذر إن كان من صاحب الأرض، فالأصل أن