فمات في يده وامتنع من تسليم الأخر قال الشيخ رحمه الله لم يكن للمرتهن الخيار في فسخ البيع لان الخيار في فسخ العيب انما يثبت إذا رد الرهن ولا يمكنه رد ما قبضه لفواته وكذلك إذا قبض أحدهما وحدث به عيب في يده وامتنع الراهن من تسليم الأخر إليه لم يكن له الخيار في فسخ البيع لأنه لا يجوز له رد المعيب للعيب الحادث في يده والوجه أن يقول إن جعلنا القبض شرطا في الرهن أو شرطاه تخير المرتهن في البيع حيث لم يف الراهن بما شرطه. مسألة: إذا اشترى شيئا بثمن على أن يكون المبيع رهنا قال الشيخ رحمه الله لا يصح البيع وبه قال الشافعي لان شرطه ان يكون رهنا لا يصح لأنه شرط ان يرهن مالا يملك فان البيع لا يملكه المشتري قبل تمام العقد وإذا بطل الرهن بطل البيع لان البيع يقضي ايفاء الثمن من غير المبيع والرهن يقتضي ايفاء الثمن من ثمن المبيع وذلك متناقض ولان الرهن يقتضى ان يكون أمانة في يد البايع والبيع يقتضي ان يكون المبيع مضمونا عليه وذلك متناقض واما إذا شرط البايع ان يسلم المبيع إلى المشتري ثم يرده إلى يده رهنا بالثمن فان الرهن والبيع فاسدان كالأولى لا يقال أليس يصح شرط الرهن في العقد وإن كان الثمن لم يملكه البايع لأنا نقول انما جوزنا ذلك لموضع الحاجة إلى شرطه ليصير حقا للبايع بخلاف مسئلتنا واما البيع فلا يصح أيضا عند الشافعية لان هذا استثناء منفعة المبيع وذلك لا يجوز عندهم ولان البيع يقتضي ايفاء الثمن من غير البيع والرهن يقتضي ايفاء الدين منه ولان البيع يقتضي تسليم المبيع أولا والرهن يقتضي تسليم الدين أولا والبيع يقتضي أيضا ان يكون امساك البايع مضمونا والرهن يقتضي ان يكون امساك المرتهن أمانة وذلك يوجب تناقض احكامها. مسألة: إذا رهن شيئا عند آخر فأيهما مات قام وارثه مقامه في حق الرهن فإن كان الميت هو المرتهن ورث وارثه حق الوثيقة لان ذلك مما يورث الا ان للراهن ان يمتنع من كونه في يده لأنه قد رضي بأمانة المرتهن ولم يرض بأمانة وارثه فله مطالبته بنقله إلى يد عدل وإن كان الميت هو الراهن قام وارثه مقامه في الرهن فيكون مستحقا عليه كما كان مستحقا على الراهن الا ان الدين الذي كان مؤجلا في حق الراهن يصير حالا في حق وارثه لان الاجل لا يورث ويسقط بموت من عليه الدين وجملة ذلك ان وارث المرتهن يقوم مقام المرتهن الا في القبض ووارث الراهن يقوم مقام الراهن الا في الاجل في الدين. مسألة: لو أراد الراهن أو المرتهن ان يقطع شيئا من الثمرة قبل محل الحق فإن كان بعد ادراكها وبلوغها أوان اخذها وكان في قطعه مصلحة له وفي تركها مضرة أجبر الممتنع على القطع لان فيه صلاحا لهما جميعا وإن كان قبل ادراكها فإن كان للتخفيف عن الأصول أو لازدحام بعضها على بعض وكان في قطع بعضها مصلحة للثمرة فإنه إذا قطع منها كان أقوى لثمرتها وأزكى لها فإذا كان كذلك قطع منها واجبر الممتنع وإن كان لا مصلحة في قطعها فإنه يمنع من قطعها ولا يجبر الممتنع عليه فان اتفقا جميعا على قطعها أو قطع بعضها كان لهما لان الحق لهما فإذا رضيا بذلك لم يمنعا وما يلزم القطع من المؤنة فعلى الراهن فإن لم يكن حاضرا اخذ الحاكم من ماله وأنفق عليه ولو لم يكن مال اخذ من الثمرة بقدر الأجرة فان قال المرتهن انا أنفق عليه على اني ارجع بها في مال الراهن اذن له الحاكم في ذلك فان قال أنفق في ذلك على أن يكون الثمرة رهنا بها مع الدين الذي عنده جاز أيضا قال الشيخ رحمه الله ومن الناس من منع منه وهو الأحوط فان استأجر المرتهن من ماله بغير اذن الحاكم فإن كان الحاكم مقدورا عليه لم يرجع على الراهن لأنه متطوع به وان لم يكن مقدورا عليه فان اشهد عليه عدلين انه يستأجر ليرجع بالأجرة عليه فيه قولان فإن لم يشهد لم يكن له الرجوع. مسألة: يجب على المرتهن إذا قبض الرهن ان يحفظه كما يحفظ الوديعة لأنه أمانة في يده لغيره فلا يجوز له التفريط فيها ولا يجوز له ان يسلمه إلى غيره وإن كان زوجة أو ولدا أو من هو في عياله وقال أبو حنيفة له ان يحفظه بنفسه وولده زوجته وخادمه الذي في عياله ولو حفظ بغير من في عياله أو أودعه ضمن وليس بجيد ولو رهنه خاتما فجعله في خنصره فإن كان واسعا ضمنه لسقوطه غالبا والا فلا وقال أبو حنيفة يضمنه مطلقا لأنه مأذون في الحفظ دون الاستعمال وهذا لبس واستعمال فصار ضامنا سواء في ذلك اليمنى أو اليسرى لان الناس يختلفون فيه تجملا ونحن نقول إن قصد التجمل والاستعمال ضمن والا فلا ولو جعله في بقية الأصابع كان رهنا بما فيه عند أبي حنيفة وهو مذهبنا لأنه لا يلبس كذلك عادة فكان من باب الحفظ دون الاستعمال قال ولو رهنه سيفين فتقلدهما ضمن لان العادة قد جرت بتقليد سيفين في الحرب ولو كانت ثلاثة فتقلدها لم يضمن لعدم جريان العادة بلبس الثلاثة قال ولو لبس خاتما فوق خاتم فإن كان ممن يتجمل بلبس خاتمين ضمن وإن كان لا يتجمل بذلك فهو حافظ لا لابس والضابط ما قلناه من أنه ان قصد الاستعمال ضمن والا فلا. مسألة: قد بينا ان اجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن على الراهن وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة انه على المرتهن وكذا اجرة الحافظ واما اجرة الراعي ونفقة الرهن فإنها على الراهن عنده والأصل ان ما يرجع إلى البقاء يكون على الراهن سواء كان في الرهن فضل أو لا لبقاء العين على ملكه ومنافعها مملوكة له فيكون ابقاؤها عليه لأنه مؤنة ملكه كما في الوديعة وذلك مثل النفقة في ماكله ومشربه واجرة الراعي لأنه يحتاج إليه لعلف الحيوان فهو كالطعام والشراب ومن هذا الجنس كسوة الرقيق واجرة ظئر ولد الرهن وسقي البستان وتلقيح النخل وجذاذه والقيام بمصالحه واما ما يرجع إلى حفظه فهو على المرتهن كأجرة الحافظ لان الحفظ واجب عليه والامساك حق له فيكون بدله عليه وكذا اجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن لان الحفظ على المرتهن ولا يتأتى الحفظ الا في منزل فمؤنة ذلك يكون على المرتهن وهذا لأنه في الحفظ عامل لنفسه لأنه يقصد به اضجار الراهن وقال أبو يوسف كري المأوى على الراهن لأنه بمنزلة النفقة لكونه سعيا في تبقيته وما يلزمه لرد العين فهو على المرتهن وذلك كجعل الآبق لان يد الاستيفاء كانت ثابتة على المحل ويحتاج إلى إعادة يد الاستيفاء ليرده على المالك فكانت من مؤن الرد فيكون عليه هذا إذا تساوت قيمة الدين والرهن فإن كانت قيمة الرهن أكثر فعلى المرتهن بقدر المضمون لان الرهن عنده مضمون وعلى الراهن بقدر الأمانة لان في قدر الأمانة بمنزلة المودع بخلاف اجرة البيت فإنه يجب الكل على المرتهن وإن كان في قيمة الرهن فضل لان ذلك انما لزمه بسبب الحبس وحق الحبس في الكل ثابت له واما الجعل وانما لزمه لأجل الضمان فيتقدر بقدر المضمون واما مداواة القروح والجروح ومعالجة الأمراض من الجناية ينقسم بقدر الأمانة والضمان لأنها للاصلاح وبالاصلاح ينتفع المرتهن في المضمون والراهن في الأمانة والخراج على الراهن خاصة وهو جيد عندنا لأنه من مؤن الملك فيكون عليه كالنفقة والعشر فيما يخرج ويأخذه الامام لان العشر متعلق به العين فيكون متقدما على حق المرتهن ولا يبطل الرهن في الباقي بخلاف ما إذا استحق بعض الرهن شايعا لان تعلق العشر بالخارج ولا يخرجه عن ملكه ولهذا يجوز بيعه والأداء من محل آخر بخلاف الاستحقاق. مسألة قد بينا في اختلاف الناس في أن القبض شرط في صحة الرهن أو لزومه أوليس شرطا فيهما فالحنفية جعلوه شرطا في اللزوم وكذا الشافعية وبعض علمائنا خلافا للباقي من علمائنا والمالك حيث جعلوه لازما بمجرد الايجاب والقبول إذا عرفت هذا فالقبض هنا كالقبض في البيع فقبض الدار بالتخلية بينه وبينها ويفتح له بابها أو يسلم إليه مفتاحها ولو خلى بينه وبينها وفيها قماش للراهن صح التسليم عندنا وعند الشافعي خلافا لأبي حنيفة وكذا يقول لو رهنه دابة عليها حمل للراهن وسلم الجميع إليه صح القبض عندنا وعند الشافعي خلافا لأبي حنيفة) ولو رهنه الحمل خاصة دون الدابة ورهنهما معا صح القبض عندنا وعند أبي حنيفة إما إذا رهنهما معا وسلمهما فظاهر واما إذا رهن الحمل فلان الحمل ليس مشغولا بالدابة ولا هو تابع له فصار كما لو رهن متاعا في دار وليس بجيد لان كل ما كان قبضا في البيع كان قبضا في الرهن كالحمل وقد قال إذا رهنه سرج دابة ولجامها وسلمها بذلك لم يصح القبض فيه لأنه تابع للدابة وهذا ينقض ما ذكرناه في الحمل وقوله إنه تابع يبطل به إذا باع الدابة فان السرج لا يدخل فيه على أن الدابة في يده فكذلك ما يتبعها قال ولو
(٤٨)