ولأنه عقد على منفعة غير موقتة بزمن فلم يستقر عوضها بالبذل كالصداق إذا بذلت له تسليم نفسها وامتنع الزوج من اخذها ولو كان هذا في اجارة فاسدة إذا عرضها على المستأجر فلم يأخذها لم يكن عليه اجرة لأنها لم تتلف تحت يده ولا في ملكه وإن قبضها ومضت المدة أو مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها احتمل ان لا يكون عليه شئ وبه قال أبو حنيفة لأنه عقد فاسد على منافع لم يستوفها فلم يلزمه عوضها كالنكاح الفاسد وأن يكون عليه أجرة المثل وبه قال الشافعي لان المنافع تلفت تحت يده بعوض لم يسلم له فرجع إلى قيمتها كما لو استوفاها ولو استوفى المنفعة في العقد الفاسد فعليه أجرة المثل وبه قال مالك والشافعي واحمد لان ما يضمن بالمسمى في العقد الصحيح وجب ضمانه بجميع القيمة في الفاسد كالأعيان وقال أبو حنيفة يجب أقل الأمرين من المسمى أو أجرة المثل بناء منه على أن المنافع لا قيمة لها ولا تتقوم إلا بالعقد وما زاد على المسمى لم يجب بدله في العقد فلم يضمنه وهو ممنوع على أن العقد وقع على جميعها بالمسمى فوجب ان يكون مضمونة لأن العقد اقتضى ضمانها مسألة إذا استأجر دابة ليركبها إلى بلد أو ليحمل عليها في شئ معلوم وقبضها وامسكها عنده حتى مضت مدة يمكن فيها السير إليه استقرت عليه الأجرة سواء ضبطت بالمدة أو العمل كما قلناه ولا فرق بين ان يكون تخلف المستأجر لعذر أو بغير عذر حتى لو تخلف لخوف في الطريق أو لعدم وجدان الرفقة استقرت الأجرة عليه وإن كان معذورا من جهة انه لو خرج والحال هذه كان متعديا ضامنا للدابة وإنما استقر الأجرة عليه لتلف منافع الدابة عنده على أنه متمكن من السفر عليها إلى بلد اخر ومن استعمالها في البلد تلك المدة وليس للمستأجر فسخ العقد بهذا السبب ولا ان يلزم المستأجر استرداد الدابة إلى أن يتيسر الخروج هذا في اجارة العين ولو كانت الإجارة في الذمة وسلم دابة بالوصف المشروط فمضت المدة عند المستأجر استقرت الأجرة أيضا كما تقدم لتعين حقه بالتسليم وحصول التمكين مسألة لو اجر الحر نفسه إما مدة معينة أو لعمل معلوم ثم سلم نفسه إلى المستأجر المدة بأسرها أو مدة ذلك العمل فلم يستعمله المستأجر حتى مضت المدة أو مضت مدة يمكن فيها ذلك العمل فالأقرب استقرار الأجرة وهو أظهر وجهي الشافعي ويجرى الخلاف فيما إذا الزم ذمة الحر عملا فسلم نفسه مدة امكان ذلك العمل ولم يستعمل وسبب الخلاف ان الحر لا يدخل تحت يد على ما قدمناه واجري بعض الشافعية الخلاف فيما إذا لزم الحر عملا في الذمة وسلم عبده ليستعمله فلم يستعمله وإذا قلنا بعدم الاستقرار فللأجير ان يرفع الامر إلى الحاكم ليجيره على الاستعمال مسألة إذا استأجر عقارا أو حيوانا أو غير ذلك ملك المنافع بالعقد كما يملك المشتري المبيع بالبيع ويزول ملك المؤجر عنها كما يزول ملك البايع عن المبيع فلا يجوز للمؤجر التصرف فيها لأنه صارت مملوكة لغيره كما لا يملك البايع التصرف في المبيع ويجب عليه بذل العين للمستأجر ليستوفي المنافع منها فإن يسلمها المالك ومنع المستأجر عنها حتى انقضت المدة انفسخت الإجارة لفوات المعقود عليه والعاقد قد أتلف المعقود عليه قبل تسليمه فانفسخ العقد كما لو باعه طعاما فاتلفه قبل تسليمه وبه قال الشافعي واحمد ولو استوفى المؤجر المنافع بأسرها طول المدة فالأقرب ان للمستأجر الخيار بين الفسخ لتعذر استيفاء المنفعة من قبل المؤجر وبين الزام المؤجر بأجرة المثل كالأجنبي وللشافعية طريقان أحدهما انه كما لو أتلف البايع المبيع قبل القبض والثاني القطع بالانفساخ فرقا بان الواجب هناك بالاتلاف القيمة وانها قابلة للبيع فجاز ان يتعدى حكم البيع إليها وهنا ما تقدر وجوب أجرة المثل وانها لا تقبل الإجارة فلا يتعدى حكم الإجارة إليها ولو امسكها المؤجر بعض المدة ثم سلم انفسخت الإجارة في المدة التي تلفت منافعها ويتخير في الفسخ في الباقي لتعدد الصفقة وللشافعي خلاف في الباقي كالخلاف فيما إذا تلف بعض المبيع قبل القبض فان قلنا لا ينفسخ فللمستأجر الخيار ولا يبدل زمان بزمان ولو لم تكن المدة مقدرة واستأجر دابة للركوب إلى بلد ثم لم يسلمها حتى مضت مدة يمكن فيها المضي إليه ففيه للشافعية وجهان أحدهما ان الإجارة تنفسخ لان المدة وإن ذكرت فليست معينة وإنما المطلوب المنفعة فيها فليكن الاعتبار بمضي زمان امكان الانتفاع وبان المشتري لو حبسها هذه المدة استقرت عليه الأجرة كما لو حبسها إلى اخر المدة إذا كانت مذكورة في الإجارة فإذا سوينا بين نوعي الإجارة في حق المكتري وجب ان يسوي بينهما في حق المؤجر وأظهرهما عندهم انها لا تنفسخ لأن هذه الإجارة متعلقة بالمنفعة دون الزمان ولم يتعذر استيفاؤها وتخالف حبس المشتري فانا لو لم نقرر به الأجرة لضاعت المنفعة على المكتري وقال بعض الشافعية ان للمكترى الخيار لتأخر حقه ومنعه باقيهم وقالوا لا خيار للمكتري كما لا خيار للمشتري لو امتنع البايع من تسليم المبيع مدة ثم سلمه ولو كانت الإجارة في الذمة ولم يسلم ما يستوفي المنفعة فيه حتى مضت مدة يمكن فيها تحصيل تلك المنفعة فلا فسخ ولا انفساخ بحال فإنه دين تأخر ايفاؤه مسألة لو استأجر دارا ليسكنها سنة مثلا فسكنها شهرا ثم تركها وسكنها المالك بقية السنة أو اجرها لغيره تخير المستأجر بين الفسخ في باقي المدة والزام المالك بأجرة المثل لو سكن ولو اجر فله أيضا الزامه بالأجرة الثانية ولو استأجر دارا سنة فسكنها شهرا وتركها شهرا وسكن المالك عشرة أشهر لزم المستأجر اجرة شهرين وتخير في عشرة الأشهر التي سكنها المالك بين فسخ العقد فيها فيرجع بالحصة من المسمى بعد التقسيط أو بين ان يرجع بأجرة المثل فلو اختار أجرة المثل وكان بقدر المسمى في العقد لم يجب على المستأجر شئ وإن فضل منه فضله وجب على المالك اداؤها إلى المستأجر مسألة لو استأجر عقارا مدة سنة فسكن بعضها ثم أخرجه المالك ومنعه من تمام السكنى وجب على المستأجر اجرة ما سكن بالحصة لأنه استوفى ملك غيره على سبيل المعاوضة فلزمه عوضه كالمبيع إذا استوفى بعضه ومنعه المالك على باقيه وكما لو تعذر استيفاء الباقي لأمر غالب وهو قول أكثر العلماء والمحصلين وقال احمد إذا أخرجه المالك ومنعه تمام السكنى فلا شئ له من الاجر لأنه لم يسلم إليه ما عقد الإجارة عليه فلم تستحق شيئا كما لو استأجره ليحمل له كتابا إلى موضع فحمل بعض الطريق أو استأجره ليحفر له عشرين ذراعا فحفر له عشرة وامتنع من حفر الباقي ونمنع الملازمة الأولى لأنه سلم البعض فاستحق بقدره ونمنع الأصل في الموضعين ولو استأجر دابة فامتنع مالكها من تسليمها بعض المدة وجب عليه دفع اجرة ما استعملها خلافا لأحمد وكذا لو اجر نفسه أو عبده للخدمة مدة وامتنع من اتمامها أو اجر نفسه لبناء حايط في العقار وامتنع من تسليمه استحق في ذلك كله بالنسبة وقال احمد لا يستحق شيئا البتة وهو خطأ لأنه قد استوفى منافع العين على جهة المعاوضة فلا بد من لزوم العوض ويلزم على قوله إنه لو بقى من الاجل ساعة واحدة ثم أخرجه ان لا يستحق المالك شيئا وهو في غاية الظلم مسألة لو استأجر دابة فشردت أو أجيرا فهرب أو اخذ المؤجر العين وهرب بها أو منعه من استيفاء المنفعة منها لم تنفسخ الإجارة بمجرد ذلك لكن يثبت للمستأجر خيار الفسخ فإن فسخ فلا بحث وان لم يفسخ انفسخت الإجارة بمضي المدة يوما فيوما وان عادت العين في أثناء المدة استوفى ما بقى منها وان انقضت المدة انفسخت الإجارة لفوات المعقود عليه وإن كان التفويت من المالك تخير المستأجر بين الفسخ والزامه بأجرة المثل ولو كانت الإجارة على عمل موصوف في الذمة كخياطة ثوب أو بناء حايط استأجر الحاكم من ماله من يعمله فان تعذر كان المستأجر الفسخ فان فسخ فلا كلام وإن لم يفسخ صبرا إلى أن يقدر عليه ويطالبه بالعمل ولو عمل الأجير بعض العمل ثم إنهن؟ أو منع المؤجر المستأجر من الانتفاع في أثناء المدة كان له من الأجرة بنسبة ما مضى خلافا لأحمد ولو شردت الدابة أو تعذر استيفاء المنفعة بغير فعل المؤجر فله من الاجر بقدر ما استوفى بكل حال ولو مرض الأجير وتعذر استيفاء العمل منه بطلت الإجارة وإن تعلقت بالعين لان الإجارة وقعت على نفسه لا على شئ في ذمته بل على عمل نفسه وعمل غيره ليس بمعقود عليه فأشبه ما لو اشترى شيئا معينا ولم يدفعه ودفع غيره ولا يلزم المستأجر قبول ذلك لان العوض في مقابلة تلك العين وإن كان على عمل في الذمة استؤجر من يقوم مقامه فان تعذر كان للمستأجر الفسخ مسألة لو اجر جمالة ليسافر المستأجر بها فهرب الجمال فاما ان يهرب بها أو يتركها عند المستأجر فان ذهب بها فإن كانت الإجارة في الذمة رفع امره إلى الحاكم فإذا ثبت عنده حالة المستأجر استأجر الحاكم عليه من ماله من يقوم مقام الجمال في الانفاق على الجمال والشد عليها وحفظها وفعل ما يلزم الجمال فعله فإن لم يجد له مالا أقرض
(٣٢٦)