ولا يصغى إلى ما قيل: إن هيئة باب المفاعلة لمجرد تعدية المادة وإنهائها إلى الغير، فلا فرق بين «كاتبه» و «كتب إليه» ولا بين «ضاربه» و «ضربه» إلا في أن «كاتب» بهيئته دال على ما أفاد الحرف أو كان لازم النسبة، والدليل عليه استعمال باب المفاعلة في الكلام الفصيح في غير ما كان بين الاثنين (1).
وذلك لأن الاستعمال أعم، ولا سيما مع قيام القرينة العقلية أو غيرها على معنى، ولا شبهة في أنه إذا كتب إلى زيد لا يقال: «بينهما مكاتبة» وإذا أنهى البحث إلى طرفه لا يقال: «بينهما مباحثة» أو «باحثه» إلى غير ذلك من الأمثلة.
والسند هو التبادر والمعروفية عند أهل اللغة والعرف، كما اعترف بها (2)، وليس شئ أقرب إلى إثبات اللغة من التبادر، ولا سيما عند أهل اللغة والعرف.
نعم يبقى كلام، وهو أنه هل يعتبر في باب المفاعلة أن يكون التفاعل بين الشخصين والفاعلين، أو تختلف الموارد، ففي مثل تقابل جسم بجسم تكون المقابلة بين الشيئين، وإن كان موقعها شخصا واحدا، ففيما نحن بصدده لو أوقع البائع المبادلة بين العوضين كفى في تحقق معنى «المفاعلة».
لكن الظاهر أن المعتبر فيها أن يكون كل من الطرفين فاعلا، والآخر مفعولا به، ففي المبادلة يقال: «بادل زيد ماله عمرا، وعمرو زيدا».
ثم لو سلمنا عدم اعتبار التفاعل في الباب، يمكن أن يقال: إن التعريف للبيع المصطلح في كتاب البيع; أي الماهية المتقومة بالإيجاب والقبول; وذلك لأن الظاهر من كل عنوان موضوع للحكم أو مأخوذ في الحدود وغيرها; هو الفعلية، مقابل الشأنية والإمكان، وكذلك الألفاظ موضوعة للعناوين الفعلية، فالنار موضوعة للماهية الحارة بالفعل، لا الأعم منها ومما هي بالقوة.