فقوله: «زيد كثير الرماد» لم يكن إخبارا عن كثرة رماده جدا لينتقل منها - أي من المعنى المخبر به - إلى جوده، وليس الجود من دواعي الإخبار بكثرة الرماد، بل الجود هو المخبر به حقيقة، دون كثرة الرماد.
ولهذا يكون صدق هذا الكلام وكذبه بمطابقة المعنى المكنى عنه للواقع وعدمها، فلو لم يكن لزيد كثرة الرماد ولا الرماد، ولكن كان جوادا، كان الإخبار صدقا; لأن الإخبار ليس عن كثرة الرماد، ولو كان كثير الرماد، ولم يكن جوادا، كان الإخبار كذبا.
فلو كان المعنى المكنى عنه من قبيل الدواعي، وكان الإخبار عن كثرة الرماد حقيقة، لكان الكذب والصدق تابعين للمخبر به; أي كثرة الرماد وعدمها.
وكذا الحال فيما إذا كان القائل في مقام إنشاء مدح أو ذم بالكناية، ففيه أيضا تستعمل الألفاظ في معانيها الحقيقية، من غير أن يكون المراد إفهام معانيها جدا، بل يراد به إفادة المعنى الكنائي.
فقوله في مقام الاستهزاء: «زيد حاتم» مريدا به ذمه، إنشاء للذم، لا إخبار عن كونه حاتما.
ولعل غالب الكنايات في كلمات البلغاء والشعراء من قبيل إنشاء المدح أو الذم، سواء أتي بالكلام بالجملة الإخبارية أو الإنشائية، وليس إنشاؤهما من قبيل الدواعي على الإخبار، حتى يكون متصفا بالصدق والكذب، بل هو إنشاء للمدح أو الذم، كما لو أنشئا باللفظ الصريح، والكناية أبلغ.
فما زعم (رحمه الله): من أن إنشاء اللازم وإيجاده في الإنشاء القولي، ليس إيجادا للملزوم عرفا (1).