الثامنة: قد صرحوا بأن كل موضع يبطل فيه عقد الإجارة يجب فيه أجرة المثل، مع استيفاء المنفعة أو بعضها، سواء زادت عن المسمى أو نقصت، وعلل ذلك بأن مقتضى البطلان رجوع كل عوض إلى مالكه، كما إذا بطل البيع يرجع البايع إلى مبيعه، والمشتري إلى ثمنه، ولا يملك أحد منهما مال الآخر ولا منافعه إلا أنه في الإجارة لما كان أحد العوضين المنفعة ومع استيفائها من العين المستأجرة يمتنع ردها وجب الرجوع إلى عوضها، وهو أجرة المثل، كما إذا تلفت إحدى العينين في المعاوضة الباطلة، وإلا للزم الظلم على المؤجر بأخذ منفعة ماله بغير عوض، لأنه لم يعطها مجانا وإنما أعطاها بأجرة، لكنها من حيث بطلان العقد لم تسلم له، فلا بد من العوض، والمرجع فيه إلى العرف المعبر عنه بأجرة المثل، سواء زادت عن المسمى أم نقصت، أم ساوت.
وهذا ظاهر مع الجهل ببطلان العقد، أما مع العلم بالبطلان وأن الأجير لا يستحق بذلك أجرة، ولا يجب على المستأجر دفعها، فإن عمل الأجير والحال هذه يرجع إلى التبرع بعمله، فلا يستحق شيئا بالكلية، كمن خاط ثوبا لشخص بغير إذنه بالأجرة، فإنه لا حق له شرعا، ولو دفع المالك له شيئا، والحال هذه فإنه يكون من قبيل سائر العطايا التي يستحق صاحبها الرجوع فيها مع بقاء العين، وعدم الرجوع مع الاتلاف، لأنه سلطه عليه باختياره كما صرحوا به في أمثاله.
والظاهر أن الأجير العالم كالغاصب في تصرفه، فيترتب عليه الضمان، بل قيل: إن المفهوم من كلامهم الضمان مع الجهل أيضا، وهو مشكل من حيث الجهل، واعتقاد صحة العقد، وأنه إنما قبض بعقد صحيح، ظاهرا - في اعتقاده وظهور فساده لا يكون موجبا لذلك، فإنه غير مكلف بما في الواقع ونفس الأمر، من صحة أو بطلان أو تحليل أو تحريم أو طهارة أو نجاسة أو نحو ذلك.
(ونقل في المسالك عن الشهيد: أنه استثنى عن أصل الحكم المذكور ما لو