إنما اقتضت تصرف المستعير خاصة، فيبقى غيره داخلا تحت المنع، وأيضا فإن الإعارة إنما تفيد إباحة الانتفاع، والمستبيح لا يملك نقل الإباحة إلى غيره، كالضيف الذي أبيح له الطعام، فإنه ليس له أن يبيحه إلى غيره.
نعم يجوز للمستعير استيفاء المنفعة بنفسه أو وكيله، وهذا لا يعد إعارة، لأن النفع المستوفي عائد إلى المستعير لا إلى الوكيل، ولم ينقل الخلاف هنا إلا عن بعض العامة.
قال في التذكرة: وقال أبو حنيفة: يجوز للمستعير أن يعيره وهو الوجه الآخر للشافعية، لأنه يجوز إجارة المستأجر للعين، فكذا يجوز للمستعير أن يعير لأنه، تمليك على حسب ما ملك.
والفرق أن المستأجر يملك بعقد الإجارة الانتفاع على كل وجه، فلهذا ملك أن يملكها، وأما في العارية فإنه ملك المنفعة على وجه ما أذن له، فلا يستوفيه غيره فافترقا، انتهى.
والأظهر في التعبير عن بيان الفرق أن مقتضى الإجارة تمليك المنفعة، ورفع يد المالك عنها ومقتضى العارية أباحتها خاصة، مع تسلط المالك عليها بالرجوع وإن كان كلامه يرجع إلى ذلك، وبذلك يظهر أن ما ذكره أبو حنيفة ومن تبعه قياس مع الفارق.
بقي الكلام في أنه لو خالف المستعير فأعار غيره فالظاهر أنه لا خلاف في أن للمالك الرجوع في العارية الثانية بأجرة المثل، وبدل العين لو تلفت على من شاء منهما، لكن لو رجع على المعير لم يرجع على المستعير إذا كان جاهلا بالحال، فإنه مغرور، وقد سلطه عليه بغير عوض، إلا أن يكون العارية مضمونة فيرجع عليه من هذه الحيثية ببدل العين خاصة لو تلفت كما هو حكم العواري المضمونة، ولو كان عالما استقر الضمان عليه كالغاصب.
وقال في التذكرة: وإن رجع على المعير بأجرة المثل كان له الرجوع على المستعير العالم، وفي الجاهل اشكال، وكذا العين، ونحوه في القواعد،