بالضمان صح أيضا ولو انفردت كتابته عن الإشارة المفهومة للضمان لم يصح الضمان سواء كان يحسن الإشارة أو لا لان الكتابة قد يكون عبثا وتجربة القلم أو حكاية (خط) فلم يثبت به الضمان وللشافعية في الكتابة المنفردة عن إشارة مفهومة ان قصد الضمان وجهان أصحهما عندهم الصحة عند وجود القرينة المشعرة بالمقصود ونحن أيضا نقول بذلك وليس النزاع فيه بل في مجرد الكتابة وهذا الشرط يقتضي نفي الخلاف وان الكتابة المجردة غير كافية إما الناطق فلا يكفي في حقه الكتابة ما لم يتلفظ بالعقد وللشافعية فيه الوجهان كما في الأخرس مسألة يشترط في الضامن الملاءة بالمال الذي ضمنه وقت الضمان أو علم المضمون له بالاعسار فلو ضمن المعسر ولم يعلم المضمون له باعساره ثم ظهر الاعسار كان بالخيار في فسخ الضمان والرجوع عنه وبين اجازته والصبر على الضامن إلى زمان قدرته ولو علم باعساره وقت الضمان ورضي به لم يكن له بعد ذلك خيار ولزمه الضمان وكذا يلزمه الضمان ولو كان الضامن مليا وقت الضمان وتجدد اعساره قبل الأداء وليس للمضمون له حينئذ الرجوع على المضمون عنه بشئ مسألة لو ادعى المضمون له ان الضامن ضمن بعد البلوغ وقال الضامن بل ضمنت لك قبله فان عينا للضمان وقتا وكان البلوغ غير محتمل فيه قدم قول الصبي لحصول العلم بعدم البلوغ ولا يمين على الصبي لأنها انما تثبت في المحتمل وإن كان الصغر غير محتمل قدم قول المضمون له من غير يمين للعلم بصدقه فلا يزال باليمين شك حاصل وان احتمل الأمران أو لم يعينا وقتا فالقول قول الضامن مع يمينه وبه قال الشافعي لأصالة عدم البلوغ وقت الضمان وعدم ثبوت الحق عليه وقال احمد القول قول المضمون له لان الأصل صحة العقد وسلامته كما لو اختلفا في شرط مبطل والفرق ان المختلفين في الشرط المفسد يقدم فيه قول مدعي الصحة لاتفاقهما على أهلية التصرف والظاهر أن من له أهلية التصرف لا يتصرف الا تصرفا صحيحا وكان القول قول مدعي الصحة لأنه يدعي الظاهر وهنا اختلفا في أهلية التصرف فليس مع من يدعي الأهلية ظاهر يستند إليه ولا أصل يرجع إليه فلا مرجح لدعواه وكذا لو ادعى انه ضمن بعد البلوغ وقبل الرشد وادعى المضمون له انه بعد الرشد وكذا لو ادعى من يعتوره الجنون انه ضمن حال جنونه وادعى المضمون له ان ضمانه في حال افاقته فان القول قول الضامن لما تقدم أما لو لم يعهد منه جنون سابق فادعى انه حالة الضمان كان مجنونا فإنه لا تسمع دعواه وله احلاف المضمون له ان ادعى علمه بالجنون وأما من يعتاد الشرب فادعى انه حالة الضمان كان سكران وادعى صاحب الحق انه كان حالة الضمان صاحيا فالوجه تقديم قول الضامن مع اليمين ولو لم يعهد منه الشرب قدم قول المضمون له مع اليمين بانتفاء سكره مسألة ولا فرق بين ان يكون الصبي مميزا أو غير مميز في بطلان ضمانه ولا بين أن يأذن له الولي في الضمان أو لا وهو قول الشافعي وعن أحمد روايتان إحديهما انه يصح ضمان المميز بإذن الولي كما يصح اقراره وتصرفاته بإذن وليه والأصل عندنا ممنوع على أن الفرق واقع بين الضمان والبيع فان الضمان التزام مال لا فايدة له فيه فلم يصح منه كالنذر بخلاف البيع ولو قلنا بالرواية الدالة على نفاذ (جواز) تصرفه في المعروف إذا بلغ عشرا وكان مميزا احتمل جواز الضمان إذا كان في معروف مسألة شرطنا في صحة الضمان كون الضامن أهلا للتبرع فلا يصح ضمان العبد والمحجور عليه لسفه فإنه لو ضمن لم ينفذ لأن الضمان أما اقراض ان تعقبه الرجوع وإما تبرع ان لم يثبت الرجوع وكلاهما يتبع المحجور عليه لتبذير منه ولأنه اثبات مال في ذمته فلم يصح منه كالبيع وغيره وبه قال الشافعي وقال بعض العامة يصح ضمانه ويتبع به بعد فك الحجر عنه لأنه مكلف يصح اقراره ويتبع به بعد فك الحجر عنه فكذا ضمانه والفرق ان الاقرار اخبار بحق سابق وجاز ان يكون في ذمة حق فوجب عليه الاعتراف به بحيث يؤدي بعد فك الحجر عنه بخلاف الضمان فإنه تبرع محض فكان ممنوعا منه كساير التبرعات وقال بعض أصحاب الشافعي انه يصح الضمان من المحجور عليه للتبذير لأنه اقراض لا محض تبرع لان الشافعي قال إذا ضمن في مرض موته بغير إذن من عليه الحق فهو محسوب من ثلثه وان ضمن باذنه فهو محسوب من رأس المال لان للورثة ان يرجعوا على الأصيل والحق ما قلناه وان لم يكن تبرعا فإنه ممنوع منه كما منع من البيع وساير التصرفات المالية ولو اذن له الولي في الضمان فهو كما لو اذن له في البيع وأما المحجور عليه للفلس فإنه يصح ضمانه مع رضي المضمون له ويتبع به بعد فك الحجر لأنه من أهل التصرف والحجر عليه في ماله لا في ذمته فأشبه الراهن إذا تصرف في غير الرهن وكما لو اقترض أو اشترى في ذمته فإنه لا يزاحم الغرماء مسألة العبد ان اذن له مولاه في الضمان فضمن صح ولا نعلم فيه خلافا لان الحجر لحق السيد فإذا اذن له فيه زال الحجر وكان كما لو أذن له في الاستدانة فاستدان وان ضمن بغير إذنه فإن لم يكن مأذونا له في التجارة فالأقرب عندي صحة الضمان كما لو استدان بغير اذن سيده ويتبع به بعد العتق الا ان الفرق بين الدين والضمان ان صاحب المال لو وجد عين ماله كان له انتزاعها منه والمضمون له ليس له انتزاع المال الذي ضمنه ما دام عبدا لأنه مكلف له قول صحيح وانما منع من التصرف فيما يتعلق بسيده لاشتماله على ضرر سيده والضمان لا ضرر فيه على السيد لأنه انما يطالب به بعد العتق فلا يمنع منه ولهذا لو أقر بدين في ذمته لزمه الاقرار وكان للمقر له ان يتبعه به بعد العتق ولو أقر بالجناية لم يقبل لا يقال في ذلك اضرار بالسيد لان السيد يستحق ارث ماله بالولاء إذا أعتق وثبوت الدين يمنع الإرث لأنا نقول حكم الإرث لا يمنع الضمان بخلاف الملك ولهذا لا يمنع الاقرار والملك يمنع الاقرار فيه وكذا الحر لا يمنع من الضمان لحق ورثته وهو أحد قولي الشافعية والثاني لهم انه لا يصح ضمانه لأنه اثبات مال لادمي بعقد فلم يصح من العبد بغير اذن سيده كالمهر والفرق ان المهر يتعلق بكسبه والنفقة بالسيد فيضربه على التقديرين والشيخ رحمه الله مال إلى بطلان الضمان لقوله تعالى عبدا مملوكا لا يقدر على شئ وهو الأصح عند الشافعية وبه قال ابن أبي ليلى والثوري وأبو حنيفة وإن كان مأذونا له في التجارة فحكمه حكم غير المأذون في التجارة في الضمان ان ضمن بإذن سيده صح اجماعا وان ضمن بغير اذن سيده فالقولان وقال أبو ثور إن كان من جهة التجارة جاز وإن كان من غير ذلك لم يجز مسألة إذا ضمن بإذن سيده صح قولا واحدا وهل يتعلق المال بالذمة أو الكسب الأقرب الأول لان ذمة العبد محل الضمان فعلى هذا يتبع به بعد العتق ولا يجب على السيد شئ ولا يستكسب العبد فيه كما لو لم يأذن وهو أحد قولي الشافعية لأنه انما اذن له في الالتزام دون الأداء وأظهرهما عندهم انه يتعلق بما يكسبه العبد بعد الاذن لأنه ثبت بإذن السيد كما لو اذن لعبده في النكاح يتعلق النفقة والمهر باكتسابه وحكى بعض الشافعية وجها غريبا للشافعية انه يتعلق برقبته فيباع فيه وعن أحمد روايتان إحديهما انه يتعلق برقبة العبد والثانية وهي الاظهر عنده انه يتعلق بذمة السيد هذا إذا لم يكن مأذونا له في التجارة ولو كان مأذونا له فيها فاذن له في الضمان فكالأول عندنا يتعلق بذمته لما تقدم من أنه اذن له في التزام المال خاصة دون الأداء وللشافعية وجهان مرتبان على الوجهين في غير المأذون وأولى بان يحال على الذمة لاشعار ظاهر الحال بخلافه وعلى هذا يتعلق بما يكسبه من بعد اذنه أم به وبما في يده من الربح الحاصل أم بهما وبرأس المال فيه وجوه ثلاثة أشبهها عندهم الثالث وعلى رأي لبعض الشافعية إذا كان مأذونا له في الضمان تعلق بكسبه والا لم يتعلق الا بالذمة مسألة إذا قال السيد لعبده اضمن واقضه مم تكتسبه صح ضمانه وتعلق المال بكسبه وكذا لو قال للمأذون له في التجارة اضمن واقض من المال الذي في يدك قضى منه وكذا ان عين مالا وأمره بالقضاء منه وحيث قلنا يؤدي مما في يده لو كان عليه ديون فان المضمون له ان يشارك الغرماء لأنه دين لزم بإذن المولى فأشبه ساير الديون وهو أحد وجوه الشافعية والثاني لهم ان الضمان لا يتعلق بما في يده أصلا لأنه المرهون بحقوق
(٨٧)