فلا يجبر على قلعه على وجه يضر به كما لو كانت الأرض مستعارة أو مشفوعة بخلاف الشجر لان مدته تطول ولا تعلم متى تقلع من الأرض فانتظاره يؤدي إلى ترك الأصل بالكلية وتأول قوله (ع) ليس لعرق ظالم حق بأنه مخصوص بالنخل والغرس وحديثه في الزرع فيجمع بين الحديثين وعمل بكل منهما في موضعه وما قدمناه أصح لان ترك الزرع في ارض الغير بغير اذنه ظلما فلا يجوز ارتكابه فإذا كان الغاصب متعديا فلا فرق بين القليل والكثير في حقه والحديث محمول على ما إذا رضي الزارع وأضاف الزرع إليهم لحصوله في أرضهم إذا عرفت هذا فان رضي المالك بترك الزرع للغاصب ويأخذ منه اجرة الأرض فله ذلك لأنه شغل المغصوب بما له فملك صاحبه اخذ الأجرة كما لو أحرز في الدار طعاما أو أحجارا يحتاج في نقله إلى مدة وان أراد اخذ الزرع لم يكن له ذلك عندنا خلافا لأحمد فان له ذلك عنده كما يأخذ الشفيع شجر المشترى بقيمته وهو ممنوع وفيما يرده على الغاصب لأحمد روايتان إحديهما قيمة الزرع لأنه بدل عن الزرع فيتقدر بقيمته كما لو أتلفه لان الزرع للغاصب إلى حين انتزاع الملك عنه بدليل انه لو اخذه قبل انتزاع الملك له كان ملكا له ولو لم يكن له المالك؟ يأخذه فيكون اخذ المالك له ملكا له الان بعوضه فيجب ان يكون له قيمته كالشقص المشفوع ويجب على الغاصب اجرة الأرض إلى حين تسليم الزرع لان الزرع كان محكوما له به وقد شغل به ارض غيره والثانية انه يرد على الغاصب ما أنفق من البذر ومؤنة الزرع في الحرث والسقي وغيره لقوله (ع) ردوا عليه نفقته وقيمة الشئ لا تسمى نفقة له والكل عندنا باطل وبه قال الشافعي مسألة لو كان الزرع مما تبقى أصوله في الأرض ويجز مرة بعد أخرى كالرطبة والكراث والنعناع فللمالك ازالته والزام المالك بالأرش وطم الحفر والأجرة وبه قال الشافعي وعند احمد يحتمل ان يكون حكمه حكم الزرع لأنه ليس له فرع قوي فأشبه الحنطة والشعير واحتمل ان يكون حكمه حكم الغرس لبقاء أصله ولو غصب أرضا فغرسها فأثمرت فان انتزعها المالك بعد ان اخذها الغاصب الثمرة فهي للغاصب وكذا ان انتزعها والثمرة فيها لأنها ثمرة شجرته فكانت له كما لو كانت في ارضه ولأنه نماء أصل محكوم به للغاصب فكان له كالأغصان والورق وقال بعض العامة هي لمالك الأرض لان ادراكها في الغرس وعن أحمد رواية انه إذا غصب أرضا فغرسها فالنماء لمالك الأرض وعليه من النفقة ما أنفقه الغارس من مؤنة الثمرة لان الثمرة في معنى الزرع فكان لصاحب الأرض إذا أدركه قايما فيها وهو غلط لمنع حكم الأصل أولا ولان حكم الأصل لا يوافق القياس وانما صار إليه للأثر فيختص الحكم به ولا يعدى إلى غيره ولان الثمرة تفارق الزرع من وجهين أحدهما ان الزرع نماء الأرض فكان لصاحبها والثمرة نماء الشجرة لصاحبه والثاني انه يرد عوض الزرع إذا اخذه مثل الأرض الذي نبت منه الزرع مع ما أنفق عليه ولا يمكنه مثل ذلك في الثمر مسألة لو غصب شجرا فأثمر فالثمرة لصاحب الشجرة اجماعا لأنه نماء ملكه ولان الشجر عين ملكه نماء وزاد فأشبه ما لو طالب أغصانه وعلى الغاصب رد الثمرة إن كان باقيا وإن كان تالفا فعليه بدله وأرش نقصه ان نقص وليس له شئ بعمله فيه وليس للشجرة اجرة لان اجرتها لا تجوز في العقود فكذلك في الغصب ولان نفع الشجر تربيته الثمر واخراجه وقد عادت هذه المنافع إلى المالك ويشكل بما تقدم من جواز استيجار الشجر لنشر الثياب عليها ولو غصب ماشية فعليه ضمان ولدها ان ولدت عنده ويضمن لبنها بمثله لأنه من ذوات الأمثال وكذا أوبارها واشعارها مسألة لو غصب أرضا فترك غرسها أو زرعها فنقصت بذلك كما في ارض البصرة ضمن أرش النقص والأجرة ولو غرسها أو زرعها ضمن الأجرة فان حصل نقص ضمن أيضا ولو نقصت الأرض لطول مدة الغراس وجب على الغاصب أجرة المثل وأرش النقص معا وللشافعية قولان هذا أحدهما والثاني انه يجب أكثرهما والخلاف فيه كما في الثوب إذا بلى في الاستعمال ولو أراد صاحب الأرض ان يتملك النماء أو الغراس بالقيمة أو بنفقتها أو الزرع بالأجرة فالأقرب انه لا يجب على الغاصب اجابته إذ لا يجب على الانسان بيع ملكه وهو أظهر وجهي الشافعية والثاني انه يجب على الغاصب اجابته كالمستعير الأولى فان الغاصب متعد ونمنع الحكم في الأصل والفرق ان المالك هنا متمكن من القلع بلا غرامة بخلاف المعير ولو أبى المالك الا القلع فله القلع لأنه ملكه فملك نقله ولا يجبر على اخذ القيمة لأنها معاوضة فلم يجبر عليها وان اتفقا على تعويضه بالقيمة أو غيرها جاز لان الحق لهما فجاز ما اتفقا عليه ولو وهب الغاصب الغرس أو البناء لمالك الأرض ليتخلص من قلعه فقبله المالك جاز وان ان لم يقبله وكان في قلعه غرض صحيح لم يجبر على قبوله لما تقدم وان لم يكن في قلعه غرض صحيح فكذلك لان في اجباره عليه اجبارا على عقد يعتبر فيه الرضا وقال بعض العامة يجبر لان فيه رفع الخصومة من غير غرض يفوت مسألة لو غصب من رجل أرضا وغراسا فغرس الغراس فيها فالكل لمالك الأرض فان طالبه المالك بقلعه وفي قلعه غرض أجبر على قلعه لأنه فوت عليه غرضا مقصودا بالأرض فاجبر على اعادتها إلى ما كانت عليه وتسوية الأرض وأرش نقصانها وأرش نقص الغراس فإن لم يكن في قلعه غرض لم يجبر على قلعه لأنه سفه فلا يجبر على السفه وقد نهى (ع) عن إضاعة المال ولا ينفك القلع من ضياع مال ويحتمل الاجبار لان الحكم في المال إلى المالك يتصرف فيه كيف شاء ولا حكم للغاصب فيه وان أراد الغاصب قلعه ومنعه المالك لم يملك قلعه لان الجميع من الغرس والأرض للمالك المغصوب منه فلا يملك غيره المتصرف فيه بغير اذنه ولو غصب من رجل واحد أرضا وبذرا وزرعها به فللمالك ان يكلفه اخراج البذر من الأرض ويغرمه أرش النقصان وليس للغاصب اخراجه ان رضي المالك ببقائه في ارضه والحكم في البناء في الأرض المغصوبة كالحكم في الغرس فيها في التفصيل جميعه وإذا كانت الآلة من تراب الأرض واحجارها فليس للغاصب النقض الا ان يأمره المالك به ولو غصب أرضا من شخص وشجرا من اخر وغرسه في الأرض المغصوبة فلكل من المالكين المطالبة بالقلع وغرامته على الغاصب وعليه الأرش في كل واحد منهما والأجرة لكل واحد منهما إذا كان ذا اجرة ولو أثمر الشجر فالثمرة لصاحب الشجرة ولو رضي الماء لكان بالابقاء لم يكن للغاصب القلع فان رضي مالك الأرض بالأجرة مع الابقاء ووافقه صاحب الغرس فالأجرة من حينئذ على صاحب الشجر وفيما قبل على الغاصب مسألة إذا غصب دارا فجصصها وزوقها أو طينها كان لمالك الدار مطالبته بقلع الجص والتزويق والطين لأنه ملك الغاصب شغل به ملك المغصوب منه ولو تركه الغاصب ليدفع عنه كلفة النزع لم يجب على المالك قبوله إن كان بحيث لو حل الجص والتزويق والطين حصل منه شئ وهو أحد وجهي الشافعية والثاني لهم انه يجب قبوله ولو أراد الغاصب نزعه فله ذلك لأنه عين ماله ولا فرق بين ان يكون للنزوع قيمة أو لا يكون فإذا نزع فنقصت الدار عما كانت قبل التزويق لزمه الأرش ولو كان التزويق وبجص؟ تموية لا يحصل منه عين إذا نزع فليس للغاصب النزع ان رضي المالك وهل له اجباره عليه الأقوى ذلك لأنه قد تصرف تصرفا غير مشروع فللمالك الزامه بازالته ولأنه قد يريد المالك تغريمه أرش النقص الحاصل بازالته وهو أحد وجهي الشافعية والثاني لا كما في الثوب إذا قصره مسألة إذا غصب ثوبا فصبغه بصبغ للغاصب فإن كان الحاصل من الصبغ تمويها محضا فالحكم على ما تقدم في التزويق وان حصل بالصبغ عين مال فإن لم يكن فصله تشاركا في الثوب المصبوغ وقال الشافعي في القديم ان الصبغ يصير ملكا لصاحب الثوب كما لو غصب جارية فسمنت فاستردها مولاها سمينة فان الزيادة يملكها المالك دون الغاصب كذا الصبغ هنا لأنه لا يمكن نزعه من الثوب والمذهب المشهور عند الشافعية خلاف ذلك بل يكون الثوب لصاحبه والصبغ لمالكه لأنه عين مال له انضم إلى ملك
(٣٩٣)