اخر كان للمالك مطالبته بالمثل سواء كان لنقله مؤنة أولا وقال أصحاب الشافعي ان لم يكن لنقله مؤنة كالدراهم والدنانير فله المطالبة بالمثل وإن كان لنقله مؤنة لم يكن له طلب المثل ولا للغارم تكليفه قبول المثل لما يلزم فيه من المؤنة والضرر وللمالك ان يغرمه قيمة بدل المتلف فان تراضيا على المثل لم يكن له تكليفه مؤنة النقل وحكى الجويني وجهين آخرين أحدهما انه يطالبه بالمثل وان لزمه المؤنة وزادت القيمة كما لو أتلف مثليا في وقت الرخص وطلب المثل في الغلا وهو الذي اخترناه والثاني انه إن كان قيمة ذلك البلد مثل قيمة بلد التلف أو أقل طالبه بالمثل والا فلا وعلى القول بالمنع لو اخذ القيمة ثم تراجعا في بلد التلف قيل للمالك رد القيمة وطلب المثل وهل لصاحبه استرداد القيم وبدل المثل فيه الوجهان فيما إذا غرم القيمة لاعواز المثل ولو نقل المغصوب المثلي إلى بلد اخر وتلف هناك أو أتلفه ثم ظفره المالك في بلد ثالث وقلنا انه لا يطالب بالمثل في غير موضع التلف فله اخذ قيمة أكثر البلدين قيمة مسألة لو غصب المثلى فتلف تحت يده أو أتلف المثلى على غيره وان لم يكن غاصبا ومضى عليه زمان زادت قيمة المثل فيه فله المطالبة بالمثل وان زادت القيمة ولو نقصت القيمة فله المثل خاصة ليس له سواء وبه قال العامة وفرقوا بين مضي الزمان ومغايرته للأول وبين المكان عند القايلين بأنه لا يطالب بالمثل في غير ذلك المكان ان العود إلى المكان الأول ممكن فجاز انتظاره ورد الزمان الأول غير ممكن فقدمناه بصورة المثل وان لم يكن ذلك مثلا حقيقة لان التساوي في القيمة معتبر في المثلين وللزمان اثر ظاهر في تفاوتها وهذا كله فيما إذا لم يخرج المثل باختلاف الزمان والمكان عن أن يكون قيمة ومالية إما إذا اخرج كما إذا أتلف عليه الماء في مفازة ثم اجتمعا على شط نهر أو أتلفه عليه جمدا في الصيف واجتمعا في الشتاء فالأقرب انه يجب على المتلف قيمة المثل في مثل تلك المفازة وفي الصيف والا لزم تصرف المالك باتلاف ملكه بالحقيقة وإذا غرم القيمة ثم اجتمعا في مثل تلك المفازة أو في الصيف هل يثبت التراد الأقوى عندي المنع وللشافعية وجهان مسألة لو انتقل المسلم إليه لم يطالب بالمثل لما فيه من المؤنة وانما عليه ان يوفيه إياه في مكان العقد وفي مطالبته بالقيمة نظر من حيث إنه اعتياض فان منع فله الفسخ وطلب رأس المال ولو كان قد اقترضه في موضع فله ان يأخذ القرض منه في موضعه وليس له مطالبته به في غير موضعه ولو اتفقا على ذلك جاز وله المطالبة بالقيمة فان اخذ القيمة عن القرض جايز مسألة الذهب والفضة ان كانا مضروبين فهما مثليان يضمنان بالمثل وقال الشيخ ره يضمنان بنقد البلد كما لو أتلف مالا مثل له وان لم يكونا مضروبين فاما ان يكونا فيه صنعة كالحلي أو لا يكون كالتبر إما الأول فإذا أتلف حليا وزنه عشرة وقيمته عشرون ضمن الأصل بمثله وقيمة الصنعة وهي عشرة أيضا وكذا في غير النقدين وان زاد عن الأصل ربويا كان أو غير ربوي لان للصنعة قيمة تظهر لو أزيلت عدوانا ولو من غير غصب ولو كانت الصنعة محرمة لم تضمن وللشافعية وجهان أحدهما انه يضمن العين بوزنها من جنسها والصنعة بقيمتها من غير جنسها سواء كان ذلك نقد البلد أو لم يكن لأنه لو ضمن الكل بالجنس لقابلنا عشرة بعشرين وذلك رباء وهو ممنوع وأصحهما عندهم انه يضمن الجميع بنقد البلد وإن كان من جنسه ولا يلزمه الرباء فان الربا انما يجري في العقود لا في الغرامات ولو كان هذا ربا لكان الأول أيضا ربا فإنه كما لا يقابل دينار بدينار لا يقابل دينار بدينار ودرهم ولهم أيضا وجهان آخران أحدهما ان العين يضمن بوزنها من جنسها والصنعة بنقد البلد كما لو أتلف الصنعة وحدها بكسر الحلي يضمن بنقد البلد سواء كان من جنس الحلي أو غير جنسه والثاني انه يضمن الجميع بغير جنسه تحرزا عن التفاضل وعن اختلاف الجنس في أحد الطرفين وهو مروى عن أبي حنيفة ولو أتلف انية الذهب والفضة فيبني على أن اتخاذها للاستعمال هل هو جايز ان قلنا نعم فهو كما لو أتلف حليا وان قلنا لا فهو كاتلاف ما لا صنعة فيه وإذا أتلف ما لا صنعة فيه كالتبر والسبيكة ضمنه بالمثل لأنه من ذوات الأمثال لتساوي الأجزاء وللشافعية قولان أحدهما انهما مثليان فيضمنان بالمثل والثاني انه يضمن قيمته بنقد البلد سواء كان من جنسه أو من غير جنسه كساير المتقومات ولهم وجه اخر ان الامر كذلك الا إذا كان نقد البلد من جنسه وكانت القيمة يزيد على الوزن فحينئذ يقوم بغير الجنس ويضمن به وفرقوا بينه وبين ما فيه صنعة بان الزايد هناك يقع في مقابلة الصنعة فلا يودي إلى الربا وهنا لا قيمة للصنعة فيلزم الربا مسألة إذا تغير المغصوب في يد الغاصب من حال إلى أخرى ثم تلف عنده فاما ان يكون متقوما في الحال الأول مثليا في الثانية أو بالعكس أو يكون مثليا فيهما أو متقوما فيهما فالأقسام أربعة الأول ان يكون متقوما في الحالة الأولى خاصة كما لو غصب رطبا وقلنا انه متقوم فصار تمرا ثم تلف عنده فالوجه ان عليه الأكثر من قيمة الرطب أو مثل التمر فان الرطب لو كان أكثر قيمته من قيمة التمر حتى أوجبنا التمر أو قيمته لزم تضييع الزيادة التي استحقها المالك عليه ولو كان التمر أكثر قيمة وجب عليه التمر لأنه مثلي وهو أحد وجوه الشافعية والثاني ان المالك يتخير بين ان يأخذ مثل التمر أو قيمة الرطب لأنه أتلف عليه ماله وهو مثلي وماله وهو متقوم فيطالب بموجب ما شاء من الحالين وهو حسن والثالث انه يضمن مثل التمر خاصة لأنه لا يمكن الجمع بين المثل والقيمة ولا بد من ايجاب أحدهما والمثل أقرب إلى التالف فيكون ايجابه أولي الثاني ان يكون مثليا في الحالة الأولى متقوما في الحالة الثانية كما لو غصب حنطة فيطحنها ثم تلف الدقيق عنده أو جعله خبزا أو اكله وقلنا لا مثل للدقيق والخبز كما هو قول الشافعية أو غصب منه تمرا واتخذ منه الخل بالماء عندهم أو اتخذ من الكتان ثوبا وخرج بذلك عن كونه مثليا فالدين أوجبوا المثل في الأول من الشافعية أوجبوه هنا فيضمن الحنطة والتمر والكتان وعلى الأخر إن كان المتقوم أكثر قيمة عزمها والا غرم المثل وقال بعض الشافعية انه يغرم بأقصى القيمة وليس للمالك مطالبته بالمثل لان التلف حصل وهو متقوم وعلى هذا فإذا قيل من غصب حنطة في الغلاء وبقيت عندهم إلى التلف وغرمه المالك وقت الرخص فغرم المثل أو القيمة فالصواب عندهم ان يقال إن تلفت وهي حنطة غرمه المثل وان صارت إلى حالة التقوم ثم تلفت فالقيمة ولا يصح اطلاق الجواب بالمثل ولا بالقيمة الثالث ان يكون مثليا فيهما كما لو غصب سمسما واتخذ منه شيرجا ثم تلف عنده ضمن أكثرها قيمة فان تساويا قيمة تخير المالك في أيهما شاء وهو قول بعض الشافعية وقال بعضهم يتخير المالك فيغرمه وما شاء منهما وهما متقاربان الرابع ان يكونا متقومين ويجب فيه اقصى القيم في الحالتين مسألة إذا أتلف المثلى وجب عليه تحصيل المثل فان وجده بثمن المثل وجب عليه شراؤه بلا خلاف وان لم يجده الا بأزيد من ثمن المثل ففي الزامه بتحصيله اشكال ينشأ من أن الموجود بأكثر من ثمن المثل كالمعدوم كالرقبة في الكفارة والهدى ومن أن المثل كالعين ورد العين واجب وان لزم في مؤنته اضعاف قيمته وللشافعية وجهان أظهرهما الأخير وربما يمكن الفرق بين المثل والعين بأنه تعدي في العين دون المثل فلا يأخذ المثل حكم العين البحث الثاني في غير المثلى إذا غصب عينا ليست من ذوات الأمثال وجب عليه ردها ما دامت باقية على صفاتها فان تلفت عند الغاصب أو أتلفها قال الشيخ ره يضمنها الغاصب بأكثر القيم من يوم الغصب إلى يوم التلف وبه قال الشافعي لأنه في حال زيادة القيمة غاصب مطالب بالرد فإذا لم يرد ضمن بدله وقال أبو حنيفة تعتبر قيمتها يوم التلف لان زيادة السوق لا تضمن مع بقاء العين فوجب التقويم يوم التلف وقول أبي حنيفة ضعيف لان الامساك منه غصب وكذا قول احمد لان ذلك تسقط برد العين فإذا اعوزت فقد تعذر ردها وقول احمد لا بأس به مسألة لو غصب في بلد ثم تلف المغصوب في غير ذلك البلد واختلف قيمة البلدين كان له أكثر القيمتين ولو اختلف النقدان فالأقرب وجوب القيمة من نقد البلد الذي حصل فيه التلف واعلم أن
(٣٨٤)