هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فجعل النكاح عوض الإجارة وبه قال الشافعي واحمد وقال أبو حنيفة لا يجوز الا ان يختلف جنس المنفعة فتؤجر منفعة دار بمنفعة بهيمة أو غيرها ولا يجوز أن يوجرها بمنفعة دار أخرى لان الجنس الواحد يحرم فيه النساء عنده وهذه نسية في جنس فيلزم الربا ومنع الشافعية الحكم في الأصل ونحن نخصص ذلك بالبيع على انا نمنع النسيئة فيهما بل كل منهما يملك في الحال جميع المنفعة في المدة لكن استيفاؤها متعذر دفعة ويبطل ما قاله بما إذا اختلف جنس المنفعة مع أن المنافع كلها جنس واحد على أن تقدير المدة في الإجارة ليس بتأجيل وانما هو تقدير المنفعة ولو كانت تأجيلا لم يجز في جنسين مختلفين أيضا لأنه يكون بيع الدين بالدين وعندنا وعند الشافعية لا ربا في المنافع أصلا حتى لو اجره دارا بمنفعة دارين جاز وكذا لو اجر حليا ذهبا بذهب لا يشترط القبض في المجلس مسألة لو استأجر بقدر معلوم من الحنطة أو الشعير وضبطه كما يضبط في السلم جاز ولا يجوز بأرطال من الخبز عندنا لأنه لا يجوز السلم في الخبز لعدم انضباطه وللشافعية قولان في جواز السلم فيه وهما جاريان هنا ولو اجر الدار بعمارتها والدابة بعلفها والأرض بخراجها ومؤنتها لم يجز لعدم الضبط في ذلك كله أما لو اجره الدار بدراهم معلومة على أن يعمرها ولا يحسب ما أنفق من الدراهم أو اجره بدراهم معلومة على أن يصرفها إلى العمارة فالأقوى الجواز ومنع منه الشافعية لان العمارة والصرف إلى العمارة والعمل في الصرف مجهول وإن كانت الدراهم معلومة إذا صرفها إلى العمارة رجع بها ولو اطلق العقد ثم اذن له في الصرف إلى العمارة أو تبرع به المستأجر جاز فان اختلفا في قدر ما أنفقه فالقول قول المالك أو المستأجر اشكال وللشافعية قولان مسألة لو استأجر أجيرا بطعامه وكسوته فإن قدرا ذلك وعلماه صح العقد وإن لم يقدراه بطل العقد ولا فرق بين أن يكون ذلك في الظرء وغيرها وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وابن المنذر لان ذلك مجهول غير منضبط عند العقد فلم يصح لفوات الشرط وهو العلم بالقدر ولاشتماله على الغرر لقبوله التفاوت والزيادة والنقصان وذلك يفضى إلى التنازع ويختلف كثيرا وبالقياس على عوض المبيع والنكاح وقال مالك يجوز وبه قال إسحاق لما رواه العامة عن أبي بكر وعمر وابن أبي موسى انهم استأجروا الاجراء بطعامهم وكسوتهم وإذا جاز كان للعامل وسط النفقة والكسوة ولا حجة في فعل من ذكر وقال أبو حنيفة لا يجوز ذلك إلا في الظرء خاصة وعن أحمد ثلث روايات كالأقوال الثلاثة لان ذلك مجهول وإنما جاز في الظرء لقوله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف أوجب لهن النفقة والكسوة على الرضاع ولم يفرق بين المطلقة وغيرها بل في الآية قرينة تدل على طلاقها لان الزوجة تجب نفقتها وكسوتها بالزوجية وان لم ترضع ولان الله تعالى قال وعلى الوارث مثل ذلك والوارث ليس بزوج ولان المنفعة في الحضانة والرضاع غير معلومة فجاز أن يكون عوضها كذلك ولا دلالة في الآية لان الواجب في الآية النفقة باعتبار الولادة على الأب لا على وجه الإجارة وثبوت حق على الأب يتوجه على وارثه سلمنا أن يكون على سبيل الإجارة لكن ليس في الآية دليل على عدم التقدير ولا ينافيه فجاز أن يكون مقدرا جمعا بين الأدلة واحتج المجوزون مطلقا بما روي العامة عن عتبة قال كنا عند رسول الله فقرأ طسم حتى إذا بلغ قصة موسى (ع) قال موسى أجر نفسه ثماني سنين أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه وعن أبي هريرة قال كنت أجيرا لابنة غزوان بطعام بطني وعفة فرجي وغنيمة رحلي احطب لهم إذا نزلوا واحد ولهم إذا ركبوا ولأنه عوض منفعة فقام العرف فيه مقام التسمية كنفقة الزوجة ولان الكسوة عرفا وهي كسوة الزوجات والاطعام عرفا وهو الاطعام في الكفارات فجاز اطلاقه كنقد البلد ويخص أما حنيفة بان ما كان عوضا في الرضاع جاز في الخدمة كالأثمان ولا دلالة في قصة موسى (ع) لأنه شرط في النكاح الاستيجار ولان شرع موسى منسوخ فلا عبرة به وحديث أبي هريرة لا اعتبار به لان فعله ليس بحجة ولا نسلم أن ذلك وقع على الوجه المشروع بل كان على سبيل بيع المعاطاة من غير عقد شرعي ونمنع ثبوت العرف فيما ذكره مسألة لا فرق بين أن يستأجره بالنفقة والكسوة ويطلقها وبين أن يجعلهما جزءا من الأجرة فلو استأجره بدراهم معينة وبنفقته وكسوته واطلقهما لم يصح عند المانعين وجاز عند المجوزين لان الجهالة لا يرتفع بانضمام المعلوم إلى المجهول إما لو جعل مال الإجارة شيئا معينا وشرط له النفقة فالأقوى الجواز سواء اطلق أو عين إما مع التعيين فظاهر لانتفاء الجهالة فيه واما مع الاطلاق فلانه لم يجعله جزءا من مال الإجارة بل شرطه على سبيل التبعية فلا تضر الجهالة فيه كشرط أساسات الحيطان وعروق الشجر في البيع مسألة إذا استأجره بطعامه وكسوته ونفقته وغير ذلك صح اجماعا ووصفها كما يصف في السلم وإن لم يشرط طعاما ولا كسوة فنفقته وكسوته على نفسه وكذا الظرء قال ابن المنذر ولا اعلم خلافا في ذلك وقد روي علماؤنا أن من استأجر أجيرا لينفذه في حوايجه كانت نفقته على المستأجر إلا أن يشترط على الأجير والأقرب عندي ذلك مع الشرط لا بدونه فإذا استأجر وشرط له طعاما معينا وكسوة معينة صح لأنه معلوم ويكون ذلك للأجير إن شاء اكله وإن شاء تركه لنفسه ولو استأجر دابة يعلفها ولم يعين لم يصح وكذا لو استأجرها بدراهم معينة وشرط علفها ولم يعين ولو عين صح في البابين مسألة لو استأجره بطعامه ونفقته وعين قدرها عندنا وأطلق عند من اجازه أو شرطهما أو وجبا له على الرواية فاستغنى الأجير عن الطعام المستأجر بطعام بنفسه أو بطعام غيره أو عجز عن الاكل لمرض أو غيره لم تسقط نفقته وكان له المطالبة بها لأنها عوض فلا تسقط بالغنى عنه كالدراهم وقد روي سليمان بن سالم عن أبي الحسن (ع) قال سألته عن رجل استأجر رجلا بنفقة ودراهم مسماة على أن يبعثه إلى ارض فلما أن قدم اقبل رجل من أصحابه يدعوه إلى منزله الشهر والشهرين فيصيب عنده ما يغنيه عن نفقة المستأجر فينظر الأجير إلى ما كان ينفق عليه في الشهر إذ هو لم يدعه فكافأه به الذي يدعوه فمن مال من تلك المكافات أمن مال الأجير أو مال المستأجر قال إن كان في مصلحة المستأجر فهو من مال وإلا فهو على الأجير وعن رجل استأجر رجلا بنفقة مسماة ولم يفسر شيئا على أن يبعثه إلى ارض فما كان من مؤنة الأجير من غسل الثياب أو الحمام فعلى من قال على المستأجر مسألة لو احتاج الأجير إلى دواء لمرضه لم يلزم المستأجر ذلك لأنه لم يشرط له الاطعام إلا صحا لكن يلزمه بقدر طعام الصحيح يشتري به الأجير ما يصلح له لان ما زاد على طعام الصحيح لم يقع العقد عليه فلا يلزم به كالزايد في القدر وإذا دفع إليه طعامه فأحب الأجير أن يستفضل بعضه لنفسه نظر فإن كان المؤجر دفع إليه أكثر من الواجب ليأكل قدر حاجته ويفضل الباقي أو كان في تركه لا كله ضرر بان يضعف عن العمل ويقل لبن الظرء منع منه لأنه في الصورة الأولى لم يملكه إياه بل إباحة اكل قدر حاجته وفي الثانية على المؤجر ضرر بتفويت بعض ماله من منفعته فمنع منه كالجمال إذا امتنع من علف الجمال وأما إن دفع إليه قدر الواجب من غير زيادة أو دفع إليه أكثر وملكه إياه ولم يكن في تفضيله لبعضه ضرر بالمؤجر جاز لأنه حق له لا ضرر فيه على المؤجر فأشبه الدراهم ولو قدم إليه طعاما فنهب أو تلف قبل اكله فإن كان على مائدة لا يخصه فيها بطعامه فهو من ضمان المستأجر لأنه لم يسلم إليه فكان تلفه من ماله وإن خصه بذلك وسلم إليه فهو من ضمان الأجير لأنه سلمه عوضا على وجه التمليك فخرج عن العهدة كالبيع مسألة قد بينا انه يشترط العلم في العوض فلم سلم إليه ثوبا وقال إن خطته اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فنصف درهم فإن كان على سبيل الجعالة صح وإن كان على سبيل الإجارة قال الشيخ (ره) يصح العقد فيهما فإن كان خاطه في اليوم الأول كان له درهم وإن خاطه في الغد كان له نصف درهم وبه قال أبو يوسف ومحمد واحمد في إحدى الروايتين لأنه سمى لكل عمل عوضا معلوما كما لو قال كل دلو بتمرة واستدل الشيخ بقوله (ع) المؤمنون عند شروطهم وفي اخبارنا ما يجري مجرى هذه المسألة بعينها منصوصة وهي أن من استجار دابة على أن يوافي بها يوما معينا على اجرة معينة فإن لم يواف ذلك اليوم كان
(٢٩٣)