وان لم يجر به في الحال بعد ان يكون مشهورا لإصابة في مرات كثيرة جاز وقد روت العامة ان رجلا شريفا شك في ولد له من جارية وأبى ان يستلحقه فمر به اياس بن معاوية في المكتب وهو لا يعرفه فقال له ادع لي أباك فقال المعلم ومن أبو هذا فقال فلان فقال من أين قلت إنه أبوه فقال إنه أشبه من الغراب بالغراب فقام المعلم مسرعا إلى أبيه فاعلمه بقول اياس فخرج الرجل وسأل اياسا من أين علمت أن هذا ولدي فقال سبحان الله وهل يخفى هذا على أحد انه لشبه بك من الغراب بالغراب فسر الرجل واستلحق ولده وهذا كله عندنا باطل لان تعلم القيافة حرام ولا يجوز الحاق الانسان بها وسيأتي وظاهر كلام احمد انه لا بد من قول اثنين لأنهما شاهدان فان شهد اثنان من القافة انه لهذا لأنه قول يثبت به النسب فأشبه الشهادة وعنه رواية أخرى انه يقبل قول الواحد لأنه حكم ويكفي في الحكم قول الواحد وهو قول أكثر أصحابه وحملوا الأول على ما إذا تعارض أقوال القايفين فإذا تعارض اثنان تساووا وان عارض واحد اثنين حكم بقولهما وسقط قول الواحد لأنهما شاهدان قولهما أقوى من قول الواحد ولو عارض قول الاثنين قول اثنين تساقطا ولو عارض قول الاثنين قول الثلاثة وأكثر سقط الجميع عنده كالبينات لا يعتبر فيها زيادة العدد عنده ولو الحقه القافة بواحد ثم جاءت قافة أخرى فألحقته باخر كان لاحقا بالأول عندهم لان القايف جرى مجرى الحاكم ومتى حكم الحاكم بحكم لم ينتقض بمخالفة غيره له وكذا لو ألحقته بواحد ثم عادت فألحقته بغيره كذلك ولو أقام الآخر بنية انه ولده حكم له به وسقط قول القايف لأنه بدل فسقط مع وجود الأصل كالتيمم مع الماء ولو ألحقته القافة بكافر أو رقيق لم يحكم بكفره ولا برقه لان الحرية والاسلام ثبتا له بحكم الدار فلا يزول ذلك بمجرد الشبه أو الظن كما لم يزل ذلك بمجرد الدعوى من المنفرد بها وقبول قول القافة في النسب للحاجة إلى اثباته ولأنه غير مخالف للظاهر ولهذا اكتفى فيه بمجرد الدعوى في المنفرد ولا حاجة إلى اثبات رقة وكفره واثباتهما يخالف الظاهر وهذا كله عندنا وعند أبي حنيفة باطل لأنا لا نثبت النسب بقول القافة ولا حكم لها عندنا ولا عنده الا ان أبا حنيفة يقول إذا تعارضت البينتان الحق بالمدعيين جميعا ونحن نقول بالقرعة لأنه موضع الاشكال والاشتباه وقد روى علمائنا عن أهل البيت عليهم السلام كل أمر مشكل ففيه القرعة وقول أبي حنيفة باطل لأنه لا يمكن تولده منهما واتفقنا نحن وإياه على عدم اعتبار القافة لان الحكم بها حكم بمجرد الشبه والظن والتخمين وقد نهى الله تعالى عن اتباع الظن والشبه يوجد بين الأجانب كما يوجد بين الأقارب فلا يبقى دليلا على النسب بل قد يثبت الشبه بين الأجانب وينتفي عن الأقارب ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وآله ان رجلا اتاه فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله ان امرأتي ولدت غلاما اسود فقال عليه السلام هل لك ابل قال نعم قال فما ألوانها قال حمر قال هل فيها من اروق قال نعم قال انى اتاها ذلك قال لعل عرقا ينزع قال وهذا لعل عرقا ينزع وأيضا لو كان الشبه كافيا لاكتفى به في ولد الملاعنة وفيما إذا أقر أحد الورثة باخ وانكره الباقون مسألة لو أدعاه اثنان ولا بينة أو وجدت بينتان متعارضتان فالحكم القرعة عندنا وعند الشافعي واحمد يعرض على القايف على ما تقدم فان ألحقته القافة بهما سقط اعتبار القايف عند الشافعي ولم يعتبر بقولها ولم يحكم به ويترك اللقيط حتى يبلغ فإذا بلغ أمر بالانتساب إلى أحدهما ولا ينتسب بمجرد التشهي بل يعول فيه علي ميل الطبع الذي يجده الولد إلى الوالد والقريب إلى القريب بحكم الجيلة وعنه وجه اخر انه لا يشترط البلوغ بل يرجع إلى اختياره إذا بلغ سن التميز كما يخير حينئذ بين الأبوين في الحضانة لكن المشهور عندهم الأول وفرقوا بان اختياره في الحضانة لا يلزم بل له الرجوع عن الاختيار والأول وهنا إذا انتسب إلى أحدهما لزمه ولم يقبل رجوعه والصبي ليس يتحقق في طرفه قول ملزم وقال احمد إذا ألحقته القافة بهما لحق بهما وكان ابنهما يرثهما ميراث ابن وزيادة ويرثانه ميراث أب واحد ونقله عن علي (ع) وهو افتراء عليه ونقله أيضا عن عمر وهو قول أبي ثور وقال أصحاب الرأي يلحق بهما بمجرد الدعوى والكل باطل لعدم امكان تولد الطفل من اثنين والحوالة على الامر المستحيل باطلة لأنه لا يتصور كونه مولدا من رجلين فإذا ألحقته القافة بهما تبينا كذبها فيسقط قولها كما لو ألحقته باثنين ولو اتفقا على ذلك لم يثبت ولو أدعاه رجل واحد منهما وأقام بينة سقطتها ولو جاز ان يلحق بهما لثبت لهما باتفاقهما والحق بهما عند تعارض بينتهما بل جاز ان يلحق بهما بمجرد دعواهما لعدم التنافي بين الدعوتين حينئذ ولما قدم في الحكم البينة على الدعوى ولا على القافة ولا قدمت القافة على الدعوى واحتج احمد بما روى عن عمر في امرأة وطيها رجلان في طهر فقال القايف قد اشتركا فيه جميعا فجعله بينهما وبما رواه الشعبي عن علي عليه السلام انه كان يقول هو ابنهما وهما أبواه يرثهما ويرثانه وعن سعيد بن المسيب في رجلين اشتركا في وطي امرأة فولدت غلاما يشبههما فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فدعا القافة فنظروا فقالوا نراه يشبههما فالحقه بهما وجعله يرثهما ويرثانه وقول عمر لا حجة فيه والنقل عن علي (ع) لم يثبت لان أهل البيت اعرف بمذهبه ومقالته عليه السلام من غيرهم مع أنهم اتفقوا على ابطال هذا القول والعقل أيضا دل عليه مسألة: لو أدعاه أكثر من اثنين أو من ثلاث حكم بالقرعة مع عدم البينة ومع تعارضهما عندنا والقائلون بالقافة اختلفوا فعن احمد روايتان إحديهما انه يلحق بالثلاثة فما زاد لوجود المقتضي للالحاق عندهم والثانية انه لا يلحق بأكثر من اثنين وهو قول أبي يوسف اقتصارا على ما ورد به الامر عن عمر وقال بعض أصحابه لا يحلق بأكثر من ثلاثة وهو قول محمد بن الحسن وروى ذلك عن أبي يوسف أيضا والكل باطل عندنا ثم لو جوزنا الأكثر فأي دليل دل على الحصر في الثلاثة وهل هو الا تحكم محض فان القايل به لم يقتصر على المنصوص عن عمر ولا قال بتعدية الحكم إلى كل ما وجد فيه المعنى وليس في الثلاثة معنى خاصا يقتضي الحاق النسب لهم فلا يجوز الاقتصار عليه بالتحكم مسألة: إذا تداعياه الاثنان أو ما زاد وجب عليهما النفقة في مدة الانتظار إما إلى أن يثبت بالبينة أو بالقرعة التحاقه بأحدهما أو بالقافة عند القائلين بها أو باقراره عند بلوغه كما هو قول الشافعي في الجديد؟ أو بلوغه حد التمييز عند الشافعي في القديم فإذا بلغ أو انتسب إلى أحدهما رجع الآخر عليه بما أنفق قاله الشافعي ويحتمل عدم الرجوع لأنه مقر باستحقاق الانفاق عليه ولو انتفت البينة عنهما فقد قلنا بالقرعة وعند الشافعي واحمد الرجوع إلى القافة فإن لم توجد قافة أو أشكل الامر عليها أو تعارضت أقوالها أو وجد من لا يوثق بقوله لم يرجح أحدهما بذكر علامة في جسده لان ذلك لا يرجح به في سائر الدعاوي سوى الالتقاط في المال وتضييع نسبه ولهم قول اخر انه يترك حتى يبلغ وينتسب إلى من شاء وقال أصحاب الرأي يلحق بالمدعيين بمجرد الدعوى لان كل واحد منهما لو انفرد سمعت دعواه فإذا اجتمعا وأمكن العمل بهما وجب كما لو اقرا له بمال وليس بجيد لان دعواهما تعارضت ولا حجة لواحد منهما فلم يثبت كما لو ادعيا رقه وقول الشافعي انه يحكم به لمن يميل قلبه إليه ليس بشئ لان الميل القلبي لا ينحصر في القرابة فان المحسن يميل الطبع إليه فان القلوب جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها وقد يميل إليه لاسائة الآخر إليه وقد يميل إلى أحسنهما خلقا وأعظمهما قدرا أو جاها أو مالا فلا يبقى للميل اثر في الدلالة على النسب وقول عمر وال أيهما شئت ليس بحجة لأنه انما امره بالموالاة لا بالانتساب وعلى قول الشافعي انه يلحق بمن ينتسب إليه لو انتسب إلى أحدهما ثم عاد وانتسب إلى الآخر أو نفى نسبه من الأول ولم ينتسب إلى أحد لم يقبل منه لأنه قد ثبت نسبه فلا يقبل رجوعه والتصديق عندنا معتبر في حق البالغ العاقل فيجئ هذا الحكم عليه مسألة: ولو لم ينتسب اللقيط إلى أحد المدعيين بقى الامر موقوفا على القرعة عندنا والى
(٢٧٩)