الأرش على الهادم لان الجدار ليس بمثلي مسألة: قد بينا انه لا يجب على الشريك في الجدار بناؤه لو انهدم ولا مساعدة شريكه فيه لإزالة الضرر عن شريكه لان الممتنع قد لا يكون له نفع في الحايط بل وقد يكون عليه ضرر فيه أكثر من نفعه وقد يكون معسرا لا مال له ينفق على البناء فحينئذ لا يجبر لو امتنع عن الانفاق ولو كان مؤسرا وكان يتضرر بترك البناء وعلى القديم للشافعي يجبر فان أصر على الامتناع أنفق الحاكم عليه ليرجع على الممتنع إذا وجد له مال فان استقل وبذل ان يبنيه ويرجع عليه ففي الرجوع عليه قولان للشافعي ولأصحابه طرق أصحها عند أكثرهم القطع بعدم الرجوع وحمل قول الرجوع على ما إذا أنفق بالاذن والثاني ان القول بعدم الرجوع تفريع على الجديد والقول بالرجوع تفريع على القديم والثالث ان قلنا بالقديم رجع قطعا وان قلنا بالجديد فقولان الرابع ان امكنه عند البناء مراجعة الحاكم فلا يرجع أو لا يمكنه فيرجع إما اذن له الحاكم في البناء ليرجع أو بذل عن الشريك اقراضه فان له الرجوع ان قلنا به مسألة لو كان بين الشريكين نهر مشترك أو قناة أو دولاب أو ناعورة أو بئر فاحتاج شئ من ذلك في الانتفاع به إلى العمارة لم يجبر أحد الشريكين الأخر على العمارة كما قلنا في الجدار وهو الجديد للشافعي كما تقدم وفي القديم انه يجبر وبه قال أبو حنيفة وفرق بين هذه وبين الجدار فأوجب على الشريك في هذه العمارة والاصلاح وتنقية البئر ولم يوجب بناء الجدار لان الشريك لا يتمكن من مقاسمته فيضر به بخلاف الحايط فإنه يمكنه قسمته مع شريكه وقسمة عرصته وليس بجيد لان في قسمة العرصة اضرارا بهما وفي قسمة الحايط أكثر اضرارا والانفاق ارفق فكانا سواء مسألة لو كان علو الجدار لواحد وسفلها لغيره فانهدمت لم يكن لصاحب السفل اجبار صاحب العلو على مساعدته في إعادة السفل لأصالة البراءة وكذا ليس لصاحب العلو اجبار صاحب السفل على إعادة السفل ليبنى عليه علوه عند علمائنا وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد واحمد في إحدى الروايتين وأبو الدرداء لما تقدم من أن الانسان لا يجبر على عمارة ملكه ولا عمارة ملك غيره والحق لا يعدوهما وقال الشافعي في القديم ومالك واحمد في الرواية الأخرى وأبو ثور انه يجبر صاحب السفل على الإعادة وإذا قلنا بالاجبار وجب عليه وحدة الاتفاق عليه لأنه خاص ملكه وكذا لو كان له ساباط استحق وضعه على حايط غيره فانهدم لم يجبر أحدهما على العمارة وللشافعية قولان وهذا الخلاف فيما إذا انهدم الحايط أو هدمه صاحب السفل والعلو معا من غير شرط إما إذا استهدم فهدمه صاحب السفل بشرط ان يعيده أجبر عليه قولا واحدا ويجري الخلاف فيما إذا طلب أحدهما اتخاذ سترة بين سطحيهما هل يجبر الأخر على مساعدته ومذهبنا انه لا يجبر لأصالة البراءة مسألة إذا انهدم الحايط المشترك فطلب أحدهما بناءه لم يجبر الأخر على ذلك (لما) كما تقدم وهو الجديد للشافعي وفي القديم وبه قال مالك واحمد في رواية عنهما انه يجبر فإن كان له مال وامتنع أنفق الحاكم منه وان لم يكن له مال فبذل شريكه ان يبينه ويرجع عليه اذن له الحاكم وكذا ان بذل غيره اقراضه فإذا بناه بإذن الحاكم استحق ما أنفقه على شريكه عنده وكان الحايط بينهما يعيد كل واحد منهما رسومه عليه ولو بناه بغير اذن شريكه في الانفاق ولا اذن الحاكم عند امتناع شريكه كان متطوعا ولا يرجع به على شريكه ثم ينظر فان بناه وأعاد الحايط بالآلة المشتركة القديمة فالجدار بينهما كما كان لان المنفق انما أنفق على التأليف وذلك اثر لا عين يملكها ويختص بها ولو أراد الباني نقضه لم يكن له ذلك لأنه ملكهما فليس له التصرف بما فيه ضرر عليهما وكون التأليف منه لا يقتضي جواز نقضه وكذا لو بنى صاحب السفل جدران السفل بانقاضه القديمة فهو لصاحب السفل كما كان وليس لصاحب العلو نقضه ولا منعه من الانتفاع بملكه وان بناه بالة من عند مستجدة فالحايط له ينفرد بملكه وله ان يمنع شريكه من وضع خشبة عليه ويمكن من نقضه لأنه ملكه خاصة فله التبقية والإزالة وبه قال الشافعي واحمد ويشكل فيما إذا كانت العرصة مشتركة ولو قال الشريك انا ادفع إليك نصف النفقة ولا تنقض فعلى القديم للشافعي لا يجوز له النقض ويجب عليه القبول لان لاحد الشريكين اجبار الأخر على البناء فلئن يجبره على الاستدامة أولي فإن لم يبذل دفع قيمة نصف البناء كان للباني نقضه وعلى الجديد لو أراد الشريك الطالب للعمارة الانفراد بها فان أراد عمارة الجدران بالنقض المشترك أو أراد صاحب العلو إعادة السفل بنقض صاحب السفل أو بآلة مشتركة بينهما فللآخر منعه منها وان أراد بناءه بآلة من عنده فله ذلك وجاز ان يبنى على عرصة مشتركة بينه وبين غيره بغير اذنه ليصل إلى حقه من الحمل عليه والرسم كما لو سقطت جذوعه الموضوعة على الجدار المشترك ينفرد بإعادتها ثم إن اعاده بآلته كان لشريكه وضع خشبة عليه لأنه ملك لهما فكان له رد رسومه عليه وان بناءه بآلة من عنده مختصة به انفرد بملكه وكان له ان يمنع الذي كان لشريكه من وضع رسومه وكان المعاد ملكا للباني يضع عليه ما شاء وينقضه إذا شاء ولو قال الشريك لا تنقض لأغرم لك نصف القيمة أو قال صاحب السفل لا تنقض لا غرم لك القيمة لم يلزمه اجابته على هذا القول وهو عدم الاجبار على البناء فلا يجبره على التبقية كابتداء العمارة ولو طالبه شريكه بنقضه لم يكن له ذلك الا ان يكون له رسم خشب عليه فيقول إما ان تأخذ مني نصف قيمته وتمكن من وضع خشبي عليه أو تقلع حايطك لبنيه جميعا كان له ذلك لأنه لا يجوز للباني ابطال رسومه ببنائه ولو قال صاحب السفل انقض ما أعدته لا بنيه بالة نفسي فإن كان قد طالبه بالبناء لم يجب الان إلى ما يقوله وان لم يطالبه وقد بنى علوه عليه فكذلك لا يجاب وهل له ان يتملك السفل بالقيمة قال بعض الشافعية نعم وليس بجيد وان لم يبن عليه صاحب العلو بعد أجيب صاحب السفل ومهما بنى الباني بآلة نفسه فله منع صاحبه من الانتفاع بالمعاد بفتح كوه وغرز وتد ووضع خشبة وغير ذلك وليس له منع صاحب السفل (العلو) من السكون فان العرصة ملكه وقال بعض الشافعية له المنع من السكون أيضا وهو غلط ولو أنفق أحد الشريكين على البئر والنهر لم يكن له منع الشريك من الزرع والانتفاع بالماء وله منعه من الانتفاع بالدولاب والبكرة المحدثين ولو كان للممتنع على الجدار الذي انهدم جذوع فأراد اعادتها بعد ما بناه الطالب بالة نفسه كان على الباني تمكينه أو نقض ما اعاده ليبنى معه الممتنع ويعيد جذوعه مسألة لو كان بينهما دولاب (أو اعورة)؟ كان حكمهما حكم الحايط على ما ذكرناه ولو كان بينهما بئر أو نهر فان قلنا ليس لأحدهما اجبار الأخر على الانفاق كان لكل واحد منهما ان ينفق على ذلك فان أنفق أحدهما عليه لم يكن له ان يمنع الأخر من نصيبه من الماء لأن الماء ينبع من ملكهما المشترك بينهما وانما اثر أحدهما نقل الطين عنه وليس له ما فيه عين ملك بخلاف الحائط إذا بناه بغير آلته وان قلنا يجبر الممتنع منهما كما هو قول الشافعي في القديم أجبره الحاكم فان امتنع وله مال ظاهر أنفق منه وان لم يكن له اذن لشريكه ينفق عليه ويرجع بقدر نصيب شريكه عليه فان أنفق شريكه بغير اذنه ولا اذن الحاكم كان متبرعا لا يرجع عليه قولا واحدا وليس له منعه من حقه من الماء على ما تقدم وقد عرفت مذهبنا فيه وان الشريك ليس له الاجبار على الانفاق مسألة قد ظهر بما مر من أن الجدار المشترك بين اثنين لو انفرد أحدهما بإعادته بالنقض المشترك فإنه يعود مشتركا كما كان فلو عمراه معا وأعاداه بالنقض المشترك بينهما كان الاشتراك بينهما أولي إذا عرفت هذا فلو شرطا مع التعاون على الإعادة والشركة في بنائه زيادة لأحدهما
(١٨٦)