فإن دعوى كونه جاهلا بالقيمة نظير أن يدعي أحد ليس له مال ولا صنعة بل يتعيش بالتساؤل أن لي على ذمة فلان خمسين ألف دينار، فإنه لا يسمع منه أصلا ولا يترتب عليه أثر التداعي والمحاكمة، إلا أن يدعي الغفلة على ذلك وكان دعواه الغفلة عقلائيا، فإنه حينئذ يسمع دعواه ولكن يكون قوله مخالفا للظاهر ويكون مدعيا لذلك، فإن الظاهر أن المعاملة قد صدرت منه في غير حال الغفلة وأنه أقدم على الغبن عن علم لكونه من أهل الخبرة كما هو واضح.
وعلى هذا فلا بد له من إقامة البينة على ذلك، أو يحلف الآخر بأنه لا يعلم بكونه غافلا بالقيمة حال العقد أو أنه كان غير غافل عن ذلك أن كان يعلم أنه لم يكن غافلا عن القيمة حال العقد.
وقد يتوهم أنه إذا ادعى الغفلة يسمع دعواه، فإنما لا يعلم إلا من قبله فيسمع دعواه فيه، وقد أجاب عنه المصنف بما فيه من الخلط بين الكبريين: إحداهما دعوى قبول قول المدعي فيما يتعسر عليه إقامة البينة، والثانية دعوى قبول قول المدعي فيما لا يعلم إلا من قبله، ونقض عليه بأن هذا يستلزم قبول دعوى مدعي الفساد مع تعسر إقامة البينة عليه.
أما الكبرى الأولى فلا دليل عليه أصلا، وإلا فيلزم أن يقبل قول كل من يدعي شيئا ولكن على نحو يتعسر عليه إقامة البينة، وحينئذ فيلزم تأسيس فقه جديد، على أن اليمين للمنكر دون المدعي، وأما الكبرى الثانية فلم يثبت إلا في موارد خاصة، أعني دعوى المرأة كونها حاملا أو حائضا أو طاهرة، وأنها خرجت عن العدة، وأما في غير هذه الموارد فلا دليل عليه بوجه.
على أنا لو سلمنا صدق الكبريين فلا نسلم كون المقام منهما أو من إحداهما، فإنه لا يتعسر إقامة المدعي البينة على غفلته، حيث إنه يقم