وتوضيحه أن حلف المالك على نفي الإعارة، لم يدل على نفي الإجارة ولا اثباتها، فيبقي دعوى الإجارة على حالها، ولما لم يثبتها المالك بالبينة رجعنا إلي الأصل المتقدم من أصالة بقاء ملكه للعين وللمنافع، فلا بد من الحكم على الراكب بعوض في مقابلتها، حيث تصرف فيها من غير أن يتبرع بها المالك، ووجب الحكم له بأقل الأمرين لما تقدم، لكن يبقي النزاع في الزائد على تقدير كون المسمى في الإجارة زائدا على أجرة المثل، فإن المالك يدعيه، وراكب الدابة ينفيه، ولا يندفع ذلك إلا بيمين الراكب على نفي الإجارة: أو نكوله فيحلف المالك على الإجارة، ويأخذ الزائد.
ومن هنا انقدح في المسألة قول رابع، فذهب في المختلف وجماعة منهم الشهيدان، الأول منهما في بعض تحقيقاته، على ما نقل عنه، والثاني في المسالك إلى أنهما يتحالفان، فإن كلا منهما مدع، ومدعى عليه، لما عرفت من التوضيح المتقدم.
أقول: وبهذا ترجع المسألة هنا إلى ما نقلناه عنهم في كتاب المزارعة، حيث أنهم لم يذكروا ثمة خلافا في المسألة على نحو ما ذكروه هنا، وإنما نقلوا فيها قولين، أحدهما وهو المشهور التحالف، بأن يحلف صاحب الأرض على نفي العارية، ويحلف الزارع على نفي الإجارة، فيتساقط الدعويان، ويرجع إلى أجرة المثل، أو أقل الأمرين، والقول الثاني القرعة كما تقدم ذكره ثمة، وهنا قد أكثروا الخلاف كما عرفت، والمسألة واحدة في الكتابين كما هو ظاهر نصب العين.
وكيف كان فإن لقائل أن يقول أيضا: إن المالك هنا يدعي بالإجارة حقا معينا، ولا يدعي شيئا آخر سواه، فإذا حلف الراكب على عدم الإجارة، سقط بيمنه هذا الحق الذي يدعيه المالك، لأن اليمين من المنكر مسقطة الحق، وقد اعترف بأنه لا حق له سواه، فإذا سقط باليمين، فبأي شئ يثبت أقل الأمرين،