واثبات حق المالك من غير الوجه الذي يدعيه، بناء على ما ذكروه من تصرف الراكب بغير إذنه، فيقضي له بأجرة المثل، أو أقل الأمرين مشكل، لأنه باليمينين الواقعتين منهما معا صار هذا التصرف محتملا لكونه تصرفا صحيحا شرعيا بلا أجرة، وكونه تصرفا شرعيا بالأجرة، والأجرة إنما تثبت على تقدير الثاني، وهو غير معلوم، لاحتمال كونه شرعيا مجانا كما يدعيه المستعير، ومن المعلوم كذب أحدي اليمينين في هذا المقام، وأصالة عدم اشتغال الذمة مؤيد، والحكم له بشئ لا يدعيه - ولا يطلبه، وإنما يطلب غيره مما قد انتفى باليمين - غير متجه.
وبالجملة فإن الرجوع إلى التعليلات العقلية لا ينتهي إلى ساحل، والمسألة لما كانت عارية من النصوص كثر فيها الكلام، وتقابل النقض فيها والابرام.
وفي المسألة أيضا قول خامس بالقرعة، ذهب إليه الشيخ في كتاب المزارعة من الخلاف، قال: لأن القرعة لكل أمر مشكل، ورده جملة من المتأخرين بالضعف، قالوا: لأنه لا اشتباه مع القاعدة المتفق عليها من حكم المدعي والمنكر.
أقول: لا يخفى ما فيه بعد ما عرفت مما وقع لهم من الخلاف في المقام، وتصادم هذه التعليلات منهم في النقض والابرام، فكيف لا يحصل الاشتباه، والحال كما عرفت، هذا كله فيما إذا مضت لذلك المتنازع فيه مدة في يد المتصرف قد استوفي فيه منافعه.
أما لو لم يمض لذلك مدة، ولم يحصل الانتفاع بشئ من المنافع المترتبة عليه، فالقول في ذلك قول المتصرف، لأن المالك هنا لا يدعي التصرف في شئ من المنافع، وإنما يدعي عليه الإجارة، وتحقق الأجرة في ذمته، واشتغالها بها والمتصرف ينكر ذلك، فالقول قوله بيمنيه، فإذا حلف على نفي الإجارة سقط دعوى الأجرة، واسترد المالك العين، وإن نكل حلف المالك اليمين المردودة، واستحق الأجرة، والله سبحانه العالم.