مسألة: المديون إذا خلف تركة فالأقوى انتقالها بالإرث إلى ورثته إذ لا يصح نقلها إلى الغرماء اجماعا ولهذا لو ابرأوا الميت سقط حقهم منها وللوارث القضاء من غيرها ولا بقاؤها على ملك الميت لعدم صلاحيته ولا إلى الله تعالى والا لصرفت على المساكين فإنهم مصب أمواله تعالى ولا إلى غير مالك فتعين انتقالها إلى الورثة نعم ان للديون تعلقا بها لأنه تعالى انما جعل لهم التصرف بعد الدين والوصية وفي كيفية التعلق احتمال انه كتعلق الأرش برقبة الجاني لان كل واحد منهما يثبت شرعا من غير اختيار المالك وانه كتعلق الدين بالمرهون لان الشارع انما أثبت هذا التعلق نظرا للميت لتبرء ذمته فاللايق به ان لا يسلط الوارث عليه وللشافعي قولان كالاحتمالين والثاني عندهم أظهر فلو أعتق الوارث أو باع وهو معسر لم يصح سواء جعلناه كالعبد الجاني أو كالمرهون وفي الاعتاق للشافعية خلاف وإن كان موسرا نفذا في أحد وجهي الشافعي بناء على أن التعلق كتعلق الأرش ولم ينفذا في وجه بناء على أن التعلق كتعلق الدين بالرهن ولهم وجه ثالث وهو انهما موقوفان ان قضى الوارث الدين تبين النفوذ والا فلا ولا فرق بين ان يكون الدين مستغرقا للتركة أو يكون أقل منها على أظهر الوجهين كما هو قياس الديون والرهون والثاني انه إن كان الدين أقل نفذ تصرف الوارث إلى أن لا يبقى الا قدر الدين إذ في اثبات الحجر في مال كثير بشئ يسير جدا بعد وإذا حكمنا ببطلان تصرف الوارث فلو لم يكن في التركة دين ظاهرا فتصرف ثم ظهر دين بان كان قد باع شيئا واكل ثمنه فرد بالعيب ولزم رد الثمن أو تردى مترد في بئر كان قد احتفرها عدوانا فوجهان أحدهما انه تبين فساد التصرف الحاقا لما ظهر من الدين بالدين المقارن لتقدم سببه والثاني انه لا يتبين لأنه كان مسوغا لهم ظاهرا فعلى هذا ان أدي الوارث الدين فذاك والا فوجهان أظهرهما انه يفسخ ذلك التصرف ليصل المستحق إلى حقه والثاني لا يفسخ ولكن يطالب الوارث بالدين ويجعل كالضامن وعلى كل حال فللوارث ان يمسك عين التركة ويؤدي الدين من خالص ماله نعم لو كان الدين أكثر من التركة فقال الوارث اخذها بقيمتها والتمس الغرماء بيعها على توقع زيادة راغب فالأقوى إجابة الوارث لأن الظاهر أنها لا يشترى بأكثر من القيمة وهو أحد وجهي الشافعية والثاني إجابة الغرماء وبنوا الوجهين على أن السيد يفدي العبد الجاني بأرش الجناية أو بأقل الامرين من قيمته أو أرش الجناية وفي تعلق حقوق الغرماء بزاويد التركة كالكسب والنتاج خلاف والوجه المنع وللشافعية وجهان متفرعان على ما مر من أن الدين هل يمنع الميراث ان منعه ثبت التعلق والا فلا. النظر الثاني: في منع المرتهن. مسألة: الرهن وثيقة لدين المرتهن فان جعلنا القبض شرطا وكان لازما استحق المرتهن إدامة اليد ولا يزال يده الا للانتفاع على خلاف سبق ثم يرد إليه ليلا وإن كان العبد ممن يعمل بالليل كالحارس ردت إليه نهارا ولو شرطا في الابتداء وضعه على يد ثالث صح ولزم لأنه ربما لا يثق أحدهما بالآخر ويثقان به ولو شرطا وضعه عند اثنين جاز أيضا ثم إن شرطا ان لكل منهما التفرد بالحفظ أو الاجتماع على الحفظ في حرز اتبع الشرط وان اطلقا لم يكن لأحدهما التفرد بالحفظ كما لو اوصى إلى اثنين أو وكلهما بشئ لا يستقل أحدهما وهو أصح وجهي الشافعي فحينئذ يجعلانه في حرز لهما والثاني يجوز الانفراد لئلا يشق عليهما فحينئذ ان اتفقا على كونه عند أحدهما جاز وان تنازعا والرهن مما ينقسم قسم وحفظ كل واحد نصفه وإن كان مما لا ينقسم تناوبا في حفظه بالزمان ولو قسماه بالتراضي وقلنا بالثاني ثم أراد أحدهما ان يرد ما في يده على صاحبه احتمل المنع لاندفاع المشقة بما جرى. مسألة: ليس للمرتهن التصرف في الرهن بشئ من التصرفات الفعلية والقولية إذ ليس له الأحق الاستيثاق فليس له البيع الا بإذن الراهن لقول الصادق (ع) في رجل رهن رهنا إلى غير وقت ثم غاب هل له وقت يباع فيه رهنه قال لا حتى يجئ وكذا غير البيع من التصرفات القولية كالهبة والرهن وغيرهما وكذا التصرفات الفعلية يمنع من جميعها اجماعا فلو وطي الجارية المرهونة فإن كان بغير اذن الراهن كان بمنزلة وطي غير المرهونة ان ظنها زوجته أو أمته فلا حد وعليه المهر والولد حر لاحق به وعليه قيمته للراهن يوم سقط حيا وان لم يظن ذلك ولم يدع جهلا فهو زان ولا يكون عقد الرهن شبهة فيه بل يلزمه الحد كما لو وطي المستأجر الجارية المستأجرة ويجب المهر إن كانت مكرهة اجماعا وإن كانت مطاوعة فلعلمائنا قولان أحدهما انه لا يجب وهو أصح قولي الشافعي لان النبي صلى الله عليه وآله نهى عن مهر البغي والثاني الوجوب لأنه بضع مستحق لغير الموطوءة فلا يسقط برضاها ولأنه تصرف في مال الغير فيجب عليه أرش نقصه ويجب عليها الحد ولو كانت جاهلة وجب المهر أيضا وإن كان الواطي عالما ويحد هو دونها ولو أحبلها كان الولد رقيقا لمولاها لان نسبه لا يثبت من المرتهن لأنه زان ويتبع الام ولو ادعى الواطي الجهالة فإن كانت محتملة بان يكون قريب العهد بالاسلام أو نشاء في بلد بعيد عنه يجوز خفاء ذلك عليه أو نشاء في بلد الكفر قبلت دعواه ثم إن أكرهها أو كانت نايمة وجب المهر وان طاوعته ولم تدع الجهالة أو ادعت وهي ممن لا تقبل دعواها ففي وجوب المهر قولان سبقا وإن كانت ممن يقبل منها دعوى الجهالة وجب المهر وسقط عنها الحد وإذا ادعى الرجل الجهالة في موضع يسمع منه قبل قوله لدفع الحد اجماعا وهل يقبل لثبوت النسب وحرية الولد ووجوب المهر الأصح ذلك لان الشبهة كما تدرء الحد تثبت النسب والحرية وإذا سقط وجب المهر ولو كان الوطي بإذن الراهن فإن كان على صيغة يباح بها البضع فلا حد ولا مهر ويلحق به الولد وفى قيمته قولان وان لم يكن على صيغة يباح بها البضع فاما ان يدعي الجهالة بتحريم الوطئ أو لا يدعيها فإن لم يدع فهو زنا والحكم كما تقدم وللشافعية وجه انه لا يحد لان بعضهم قال بجواز وطي الجارية بإذن مالكها وهو مذهب عطا بن أبي رباح من التابعين وان ادعاها قبل منه وسقط الحد ولحق به النسب وكان الولد حرا اجماعا ولا يلزمه قيمته وقيل يلزمه قيمته وكذا القولان في المهر والشيخ رحمه الله رجح في المبسوط عدم وجوبها عليه وقال بعض الشافعية إن كانت مطاوعة لم يلزمه المهر لانضمام اذن المستحق إلى طواعيتها وإن كانت مكرهة فقولان أحدهما عدم الوجوب لان المستحق قد اذن فأشبه ما لو زنت الحرة وأصحهما عندهم وبه قال أبو حنيفة يجب لان وجوب المهر حيث لا يجب الحد حق الشرع فلا يؤثر فيه الاذن كما أن المفوضة تستحق المهر بالدخول مع تفويضها واما الولد ففي وجوب قيمته لهم طريقان أحدهما انه على القولين في المهر والثاني وهو الأصح عندهم الوجوب جزما والفرق ان الاذن في الوطي رضا باتلاف المنفعة جزما وليس رضا بالاحبال جزما ولان الاذن لا اثر له في حرية الولد وانما الموجب لها ظن الواطي فحسب واما الجارية فقال الشيخ رحمه الله لا يخرج من الرهن في الحال وإذا بيعت في الرهن ثم ملكها المرتهن فإنها أم ولده وفيه نظر وقال الشافعي لا تصير الجارية أم ولد للمرتهن بحال فان ملكها يوما من الدهر فقولان ولو ادعى المرتهن بعد الوطي ان الراهن كان قد باعها منه أو رهنها واقبضها وأنكر الراهن فالقول قوله مع يمينه فان حلف فهي والولد رقيقان له ثم لو ملكها يوما من الدهر فهي أم ولد له على قول والولد حر لاقراره السابق كما لو أقر بحرية عبدا لغير ثم اشتراه فان نكل الراهن وحلف المرتهن فالولد حر وهي أم ولد له. مسألة: ليس للمرتهن بيع الرهن فان حل الدين وطالب المرتهن كان على الراهن ايفاء الحق فان قضاه من غيره انفك الرهن والا طولب ببيعه فان امتنع فإن كان وكيلا في البيع باع بالوكالة والا باعه بإذن الراهن فان تعذر اذن له الحاكم في البيع أو ولاه غيره أو أجبر الراهن على القضاء أو البيع بنفسه أو بوكيله ويقدم المرتهن في الثمن على ساير الغرماء سواء كان الراهن حيا أو ميتا وسواء كان موسرا أو معسرا وسواء خلف وفاء لباقي الديان أو لا وسواء كان الرهن دارا يسكنها الراهن أو لا والرواية التي رواها ابن فضال عن إبراهيم بن عثمان عن الصادق (ع) قال قلت له رجل لي عليه دراهم وكانت داره رهنا فأردت ان أبيعها فقال أعيذك بالله ان يخرجه من ظل رأسه محمولة على الكراهية مع انا نمنع السند فان ابن فضال ضعيف وانما يبيعه الراهن أو وكيله بإذن المرتهن فلو لم يأذن وأراد الراهن بيعه قال له الحاكم ايذن في بيعه وخذ حقك من ثمنه أو أبرئه ولو طلب المرتهن بيعه وامتنع الراهن ولم يقض الدين أجبره الحاكم على قضائه أو البيع إما بنفسه أو بوكيله فان أصر باعه
(٣١)