اعترض بشاة ماتت لرجل فغصبها غاصب ودبغ جلدها هل يملكه الغاصب أو لا قال أبو إسحاق الأقوى ان الغاصب يملك بما استحدثه من الدباغ والفرق ان الغاصب يده بغير حق فكان فعله لا حكم له ويد المالك يد بحق فنقص عليه برجل حجر أرضا مواتا فجاء ثان أحياها فان الثاني يملكها وإن كان يد الأول بحق فلو كان الدبغ سببا لملك مستحدث لملكها به وإن كانت يده بغير حق فقال يد المحجر لم يسند إلى ملك سابق فلهذا كان أحق بالملك ولهذا هو الحجة عليه لان يد الراهن إذا كانت مستندة إلى ملك سابق فإذا عاد الملك ثبت انه للمالك السابق إذا عرفت هذا فقال أصحاب أبي حنيفة لا يزول ملك الراهن وحق المرتهن عن الجلد بالموت كما قالوا في الخمر ولو انقلب العصير المرهون خمرا قبل القبض ففي بطلان الرهن البطلان الكلي وجهان للشافعية أحدهما نعم لاختلال المحل في حال ضعف الرهن وجوازه ويثبت للمرتهن الخيار في البيع الذي شرط فيه ارتهانه والثاني لا كما لو تخمر بعد القبض وقضية ايراد أكثرهم ترجيح هذا الوجه لانهم قربوا هذا الخلاف من الخلاف في صورة عروض الجنون أو بنوه عليه فقالوا ان ألحقنا الرهن بالوكالة بطل بعروض الجنون وانقلابه خمرا قبل القبض وان ألحقناه بالبيع الجايز لم يبطل قال بعضهم وعلى الوجهين لو كان الرهن مشروطا في بيع ثبت للمرتهن الخيار لان الخل انقص من العصير ولا يصح الاقباض حالة الشدة ولو فعل وعاد خلا فعلى الوجه الثاني لابد من استيناف قبض وعلى الأول لابد من استيناف عقد ثم القبض فيه على ما ذكرنا فيما إذا رهن من الانسان ما في يده ولو انقلب المبيع خمرا قبل القبض فالكلام في انقطاع البيع وعوده إذا عاد خلا على ما ذكرنا في انقلاب العصير المرهون خمرا بعد القبض. مسألة: الخمر قسمان خمر محترمة وهي التي اتخذ عصيرها ليصير خلا وانما كانت محترمة لان اتخاذ الخل جايز اجماعا والعصير لا ينقلب إلى الحموضة الا بتوسط الشدة فلو لم يحترم وأريقت في تلك الحال لتعذر اتخاذ الخل والثاني خمر غير محترمة وهي التي اتخذ عصيرها لغرض الخمرية فالأولى لا يجب اراقتها وهل يجب إراقة الثاني فيه قولان للشافعية فان تلفت فلا كلام ولا خيار للمرتهن لان ذلك حصل في يده وان استحال خلا عاد ملكه لصاحبه مرهونا لأنه يعود مملوكا بحكم الملك الأول فيعود حكم الرهن لأنه زال بزوال الملك فعاد بعوده فان قيل أليس ان العقد إذا بطل لا يصح حتى يبتدئ والرهن بطل فيه حين صار خمرا فالجواب ان العقد إذا وقع فاسدا لم يصح حتى يوجد صحيحا وليس كذلك هنا لأن العقد وقع صحيحا وحدث بالمعقود معنى أخرجه من حكم العقد فإذا زال ذلك عاد حق العقد كما أن زوجة الكافر إذا أسلمت حرم وطؤها عليه وخرجت بذلك من حكم العقد فإذا أسلم الزوج قبل انقضاء العدة عاد حكم العقد وكذلك إذا ارتد أحد الزوجين. مسألة: إذا كان في يده عصير فصار خمرا فاراقه فجمعه جامع فصار في يده خلا فالأقرب أنه يكون ملكا للثاني لخروجه عن ملك الأول بصيرورته خمرا ولا يصح للمسلم تملكه ابتداء ولا استدامة وخروجه عن أولوية اليد بإراقته فانتفى تعلقه عنه بالكلية لأنه أسقط حقه منها وأزال يده عنها فيكون ملكا للثاني لاستيلاء يده عليه وهذا أحد وجهي الشافعية والثاني انه يعود ملكا للأول لأنه مملوك بالمعنى الأول وهو الاظهر عندهم لان الجامع للخمر ممنوع من ذلك محرم عليه ويده لا يثبت عليها فلا يصح تملكه بذلك وقوله الأول أسقط حقه ليس بصحيح لأنه فعل الإراقة التي امرها الشرع بها ولو كان كذلك لوجب ان يكون مباحة كالصيود لا يختص بملكها الجامع بل يكون أحق بها لحصولها في يده ونمنع منعه من الجمع على تقدير إرادة التخليل وانما يمنع على تقدير إرادة استعماله خمرا ونمنع كون يده لا يثبت عليها على تقدير إرادة التخليل ولا نعنى باسقاط حقه الا اراقته وعدم امساكه والجامع لا يملكها بالجمع بل يكون أحق باليد فإذا صارت خلا في يده فقد تجدد له الملك بالاستيلاء على المباح كالاصطياد. مسألة: يجوز تخليل الخمر بطرح شئ فيها وتحل كما تحل لو استحالت من نفسها عند علمائنا وبه قال أبو حنيفة ومالك في إحدى الروايتين لما رواه العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال يحل الدباغ الجلد كما يحل التخليل الخمر ولأنها خمر استحالت إلى حموضة الخل فصارت حلالا كما لو استحالت بنفسها ولأنها خرجت عن كونها (خمرا) حراما وزال وصف الخمرية عنها فيزول التحريم المستند إلى الخمرية لان زوال العلة يوجب زوال المعلول وقال الشافعي ان استحالت الخمر بنفسها حلت وان طرح فيها شئ إما عصير أو خل أو خبز حار أو غير ذلك من الأعيان فصارت خلا لم تحل ولا يجوز امساكها للتخليل وبه قال احمد وإسحاق ومالك في الرواية الثانية لما رواه انس ان أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وآله عن أيتام ورثوا خمرا فقال له أهرقها فقال أنخللها فقال لا وإذا ثبت انه محظور لم يكن سببا في الإباحة كقتل الصيد في الحرم ولأنه مايع لا يطهر بالكثرة فلم يطهر بالصنعة كاللبن النجس ولان ما يقع فيه ينجس فلا يمكن طهارة الخمر دونه والمطروح فيه لا يحصل فيه الاستحالة فهو باق على نجاسته والسؤال وقع عن قضية خاصة فجاز ان لا يتخلل تلك الخمرة ولا يلزم من تحريم السبب لو سلم تحريمه هنا تحريم المسبب فان من اصطاد بآلة محرمة فعل محظورا وكان الصيد حلالا له وكذا لو طلق في الحيض عندهم فعل سببا محرما وحصلت به البينونة ونظائره كثيرة لا يحصى وقتل الصيد في الحرم بمنزلة خفق الصيد والخمرية المقتضية للتنجيس قد زالت فيزول معلولها وهو التنجيس بخلاف المقيس عليه واستحالة الخمر مطهرة له والمطروح فيه كالآنية. فروع: أ: إذا كانت الخمر في ظرف فنقلها من الظل إلى الشمس أو من الشمس إلى الظل فتخللت طهرت عندنا وللشافعية وجهان هذا أحدهما لأنه لم يخالطها ما يمنعها الطهارة بخلاف المطروح فيها والثاني انها لا تحل لان ذلك فعل محظور وهو ممنوع وينتقض بما إذا امسكها حتى تخللت فان امساكها لا يجوز وإذا تخللت في يده حلت. ب: لو طرح فيها شيئا نجسا غير الخمر فانقلبت خلا أو عالجها الذمي أو لمسها حال الخمرية فانقلبت خلا لم تطهر بالانقلاب لان نجاسة المطروح لم يكن بسبب الخمر ولا بسبب ملاقاته إياه بل بنجاسة لا تطهر بالانقلاب فلا تطهر ما طرحت فيه بالانقلاب ولا فرق بين ان يكون نجاسة ذاتية أو عرضية وربما خطر لبعض من لا مزيد تحصيل له الطهارة لأن النجاسة واحدة وحالة الخمرية العين نجسة فإذا لاقاها نجاسة أخرى لم يزد اثر التنجيس فيها فإذا انقلبت خلا طهرت مطلقا وهو غلط لان النجاسات متفاوتة في قبول التطهير وعدمه وفي سبب التطهير - ج - حكى الجويني عن بعض الشافعية جواز تخليل المحترمة لأنها غير مستحقة للإراقة لكن المشهور عندهم عدم الفرق بين المحترمة وغيرها في تحريم التحليل: د: لافرق بين الطرح بالقصد وبين ان يتفق من غير قصد كطرح الريح في اباحته وطهارته مع الانقلاب وللشافعية قولان أحدهما لا فرق بينهما في التحريم وعدم الطهارة والثاني الفرق والخلاف مبني على أن المعنى تحريم التخليل أو نجاسة المطروح فيه والأظهر عندهم انه لا فرق هذا إذا كان الطرح في حالة التخمير إما إذا طرح في العصير بصلا أو ملحا واستعجل به الحموضة بعد الاشتداد فللشافعية وجهان أحدهما انه إذا تخلل كان طاهرا لان ما لاقاه انما لاقاه قبل التخمير فيطهر بطهارته كاجزاء الدن والثاني لا لان المطروح فيه ينجس عند التخمير وتستمر نجاسته بخلاف اجزاء الدن للضرورة. ه: لو طرح العصير على الخل وكان العصير غالبا يتغير الخل فيه عند الاشتداد طهر إذا انقلب خلا لزوال المقتضى للنجاسة وهو أحد وجهي الشافعية والثاني ان لا يطهر ولو كان الغالب الخل و كان يمنع العصير من الاشتداد فلا بأس به وبه قال الشافعية. مسألة: قد بينا انه يجوز امساك الخمر المحترمة إلى أن تصير خلا وهو قول الشافعية والتي لا يحترم يجب اراقتها لكن لو لم يرقها حتى تخللت طهرت عندنا أيضا وهو قول أكثر الشافعية لأن النجاسة والتحريم انما ثبتا للشدة وقد زالت وحكى الجويني عن بعض الخلافيين انه لا يجوز امساك الخمر المحترمة بل يضرب عن العصير إلى أن يصير خلا فان اتفقت منا اطلاعة وهو خمر أرقناه وقال بعضهم لو أمسك غير المحترمة حتى تخللت لم يحل ولم يطهر لان امساكها حرام فلا يستفاد به نعمة فإذا عادت الطهارة بالتخلل يطهر اجزاء الظرف أيضا للضرورة وقال بعضهم إن كان الظرف بحيث لا يشرب شيئا من الخمر
(١٨)