الراهن والثاني انه ليس بشرط بل يلزم الرهن بمجرد العقد وهو القول الثاني للشيخ رحمه الله وقول ابن إدريس وبه قال مالك واحمد في الرواية الأخرى لقولة تعالى أوفوا بالعقود ولأنه عقد يلزم بالقبض فلزم فيه كالبيع ولا حجة في وصف الرهن بالقبض لان القصد بالآية كمال الارشاد ولهذا أمر تعالى بالكتابة وليس شرطا مع الامر فكيف يكون الوصف شرطا مع انتفاء الامر على أن نفس الرهن ليس شرطا في الدين والحديث ضعيف السند والفرق مع القرض ظاهر فإنه مجرد ارفاق بخلاف الرهن فإنه لا ينفك عن معاوضة ما. مسألة:
القبض هنا كالقبض في البيع وغيره وهو إما التخلية مطلقا على رأي أو النقل والتحويل فيما ينقل ويحول والكيل والوزن فيما يكال ويوزن والتخلية فيما لا يمكن فيه شئ من ذلك وقال بعض الشافعية لو جوزنا التخلية في المنقول في البيع لم يكف هنا لان الرهن (القبض) مستحق في البيع وهنا بخلافه ويشترط في القبض صدوره من جايز التصرف وهو الحر المكلف الرشيد غير المحجور عليه لسفه أو فلس ويعتبر ذلك حال رهنه واقباضه لأن العقد والتسليم ليس بواجب وانما هو إلى اختيار الراهن فإذا لم يكن له اختيار صحيح لم يصح ولأنه نوع تصرف في المال فلا يصح من المحجور عليه من غير اذن كالبيع ويجري النيابة في القبض كما يجري في العقد ويقوم قبض الوكيل مقام قبضه في لزوم الرهن وساير احكامه وهل يجوزان يستنيب المرتهن الراهن في القبض منع منه الشافعي لان الواحد لا يتولى طرفي القبض وليس جيد كالجد والأب وحكم عبده ومدبره وأم ولده حكمه لان يدهم يده و يجوز انابة مكاتبه لاستقلاله باليد والتصرف وفي عبد المأذون وجهان للشافعي أحدهما الجواز لانفراده باليد والتصرف وأصحهما المنع فإنه عبده القن وهو المتمكن من الحجر عليه. مسألة: لو أودع مالا عند انسان أو اعاره منه أو كان مستاما أو كان وكيلا ثم رهنه منه فإن لم يشترط القبض فلا بحث ويلزم الرهن بمجرد العقد وان شرطناه فالأقرب انه يلزم الرهن بمجرد العقد أيضا لأنه مقبوض للمرتهن فيندرج تحت الآية وبه قال احمد فان اليد ثابتة والقبض حاصل وانما يغير الحكم لا غير ويمكن تغير الحكم مع استدامة القبض كما لو طولب بالوديعة فجحدها تغير الحكم وصار مضمونا عليه من غير أمر زايد ولو عاد الجاحد فاقر بها وقال لصاحبها خذ وديعتك فقال دعها عندك وديعة كما كانت ولا ضمان عليك فيها لتغير الحكم من غير حدوث أمر زايد وقال الشافعي لا يصير رهنا حتى يمضي مدة ينافي قبضه فيها فإن كان منقولا فيمضي مدة يمكن نقله فيها وإن كان مكيلا فيمضى مدة يمكن كيله فيها وإن كان غير منقول فيمضي مدة التخلية وإن كان غائبا عن المرتهن لم يصر مقبوضا حتى يوافيه هو أو وكيله ثم يمضي مدة يمكن قبضه فيها لأن العقد يفتقر إلى القبض والقبض انما يحصل بفعله أو امكانه واعلم أن الشافعي قال في الجديد لابد من اذن جديد في القبض ولو وهبه منه فظاهر قوله إنه يحصل القبض من غير اذن جديد ولأصحابه طرق ثلاثة أظهرها ان فيه قولين أحدهما انه لا حاجة في واحد من العقدين إلى الاذن في القبض بل انشاؤهما مع الذي في يده المال يتضمن الاذن في القبض وأصحهما عندهم انه لابد منه لان اليد الثابتة كانت من غير جهة الرهن ولم يجر تعرض للقبض بحكم الرهن والثاني تقرير القولين والفرق ان الهبة عقد تمليك ومقصوده الانتفاع لا يتم الا بالقبض والرهن توثيق وانه حاصل دون القبض ولهذا لو شرط في الرهن كونه في يد ثالث جاز ولو شرط مثله في الهبة فسد وكانت الهبة ممن المال في يده رضا بالقبض والثالث القطع باعتبار الاذن الجديد فيهما فيتأول قوله في الهبة وسواء شرط اذن جديد في القبض أو لم يشترط فلا يلزم العقد ما لم يمض زمان فيه صورة القبض لكن إذا شرط الاذن فهذا الزمان معتبر من وقت الاذن فإن لم يشترط فهو معتبر من وقت العقد وله قول اخر لا حاجة إلى مضى هذا الزمان ويلزم العقد بنفسه والأقوى عندهم الأول لأنا نجعل دوام اليد كابتداء القبض فلا أقل من زمان يتصور فيه ابتداء القبض ولو كان غايبا اعتبر زمان يمكن المصير فيه إليه ونقله وهل يشترط مع ذلك نفس المصير إليه ومشاهدته له وجهان أحدهما نعم ليتيقن حصوله ويثق به وأصحهما عندهم لا ويكتفي بان الأصل بقاؤه واختلفوا في محل القولين منهم من جعله احتياطا ومنهم من حمله على ما إذا كان المرهون مما يتردد في بقائه في يده بان كان حيوانا غير مأمون الآفات إما إذا تيقنه فلا حاجة إليه وعلى اشتراط الحضور والمشاهدة فهل يشترط النقل وجهان أحدهما نعم لان قبض المنقول به يحصل والثاني لا يشترط لان النقل انما يعتبر ليخرج من يد المالك وهو خارج هنا وإذا شرط الحضور أو النقل معه فهل يجوز ان يوكل فيه وجهان أصحهما عندهم الجواز كما في ابتداء القبض والمنع لان ابتداء القبض وهو النقل وجد من المودع فليصدر تتمته منه ولو ذهب إلى موضع المرهون فوجده قد خرج من يده فان اذن له في القبض بعد العقد فله اخذه حيث وجده وان لم يأذن لم يأخذه حتى يقبضه الراهن سواء شرطنا الاذن الجديد أو لم نشترطه ولو رهن الأب مال الطفل من نفسه أو ماله من الطفل ففي اشتراط مضى الزمان يمكن فيه وجهان فان شرطناه فهو كما لو رهن الوديعة من المودع فيعود الاختلاف المذكور وقصد الأب قبضا وافيا نازلا منزلة الاذن الجديد إما لو باع المالك الوديعة أو العارية ممن في يده فهل يعتبر زمان امكان القبض لجواز التصرف وانتقال الضمان الأقرب عندنا المنع وهو أحد وجهي الشافعي لأنه مقبوض حقيقة ولان البيع يفيد الملك ولا معنى مع اجتماع الملك و اليد لاعتبار شئ اخر والثاني نعم وهل يحتاج إلى الاذن في القبض إن كان الثمن حالا ولم يوفه لم يحصل القبض الا إذا اذن البايع فيه فان وفاه أو كان مؤجلا قال بعضهم انه كالرهن والمشهور انه لا يحتاج إليه والفرق ان البيع يوجب القبض فدوام اليد يقع عن القبض المستحق ولا استحقاق في الرهن. مسألة: لو رهن المالك ماله المغصوب في يد الغاصب صح الرهن وعلى قولنا بعدم اشتراط القبض يصير رهنا بمجرد العقد وعلى القول باشتراطه لابد من مضي زمان يمكن فيه تجديد القبض مع اذن في القبض كما تقدم جديد وهو أحد قولي الشافعي والثاني القطع في الغصب بافتقاره إلى اذن جديد لان يده غير صادرة عن اذن المالك أصلا إذا عرفت هذا فإذا رهن الغصب أو المستعار المشروط فيه الضمان أو المستام أو المبيع فاسدا صح الرهن اجماعا وهل يزول الضمان بالرهن قال الشيخ لا يزول ويثبت فيه حكم الرهن والحكم الذي كان ثابتا فيه فيبقى بحاله وبه قال الشافعي ومالك وأبو ثور ولقوله (ع) على اليد ما أخذت حتى تؤدي ولان الدوام أقوى من الابتداء ودوام الرهن لا يمنع ابتداء الضمان فان المرتهن إذا تعدى في المرهون يصير ضامنا ويبقى الرهن بحاله فلئن لا يرفع ابتداء الرهن دوام الضمان كان أولي ولأنه لا تنافي بين الرهن وثبوت الضمان كما لو تعدى في الرهن فإنه يصير مضمونا ضمان الغصب وهو رهن كما كان فكذلك ابتداؤه لأنه أحد حالتي الرهن وقال أبو حنيفة واحمد يزول الضمان وهو منقول عن مالك أيضا لأنه مأذون له في امساكه وهنا لم يتجدد منه فيه عدوان فلم يضمنه كما لو قبضه منه ثم اقبضه إياه أو أبرأه من ضمانه ومنعوا عدم التنافي فان يد الغاصب عادية يجب عليه ازالتها ويد المرتهن محقة جعلها الشرع له ويد المرتهن أمانة ويد الغاصب والمستام ونحوها يد ضامنة وهما متنافيان ولان سبب المقتضي للضمان زال فزال الضمان لزواله كما لو رده إلى مالكه وذلك لان سبب الضمان الغصب أو العارية ونحوهما وهذا لم يبق غاصبا ولا مستاما ولا يبقى الحكم مع زوال سببه وحدوث سبب يخالف حكمه واما وإذا تعدى في الرهن فإنه يضمن لعدوانه لا لكونه غاصبا ولا مستاما وهنا قد زال سبب الضمان ولم يحدث ما يوجبه فلم يثبت ويمنع استلزام اذن الامساك رهنا لعدم الضمان فان المرتهن إذا تعدى والمودع وغيرهما من الامناء مأذون لهم في الامساك مع ثبوت الضمان والفرق بين اقباضه بعد استعادته واستمرار القبض ظاهر فان اليد في الأول قد زالت حقيقة فلا موجب للضمان وغاية ثبوت الضمان الدفع إلى المالك وقد حصل فلا يثبت الضمان بعد الغاية له والابراء بمنزلته لأنه اسقاط فلا