فإما أن يأمره بالانفاق عليه أو ينهاه عن الانفاق، أو يطلق فههنا صور ثلاث:
الأولى - أن يأمره وحينئذ فيجب عليه كما صرحوا به، ويرجع بذلك على المالك، ولو أخل به كان مفرطا ضامنا، ويحصل التفريط والضمان، ولو بمرة واحدة، وفي كل موضع يحصل به التفريط يكون ضامنا، ويخرج عن كونه أمينا بمقتضى القاعدة المقررة عندهم، من أنه لو خالف وتعدى، فإنه يخرج عن كونه ودعيا أمينا، ولا يرجع إلى ذلك إلا بإذن جديد من المالك، ولو امتنع المستودع من الانفاق في هذه الصورة، فقد صرح في التذكرة بأنه متى مضت مدة تموت مثل الدابة في مثل تلك المدة نظر، فإن ماتت ضمنها، وإن لم تمت دخلت في ضمانه، وإن نقصت ضمن النقصان، قال: وتختلف المدة باختلاف الحيوان قوة وضعفا.
الثانية - أن ينهاه عن الانفاق فإن ترك الانفاق امتثالا لأمره، قالوا: كان عاصيا لله تعالى لما فيه من تضيع المال المنهي عنه، لأنها من الأموال المحترمة التي لا يجوز اتلافها بغير وجه شرعي، ومرجعه إلى أن الانفاق (حق الله تعالى) كما هو حق للمالك، فلا يسقط حق الله تعالى باسقاط المالك حقه، وهل يضمن في هذه الحال استشكل ذلك في التذكرة، ثم قرب العدم، قال: وهو قول الشافعية كما قال: اقتل دابتي فقتلها أو أمره برمي قماشه في البحر فرماه، أو أمره بقتل عبده فقتله، فإنه يأثم ولا ضمان عليه، فكذا هنا انتهى.
والواجب في هذه الصورة رفع الأمر إلى الحاكم ليأمره بذلك ويجبره عليه، لما عرفت من عدم جواز اتلاف المال بغير وجه شرعي، وترك الانفاق موجب لذلك، قالوا: وللحاكم أن يستدين عليه أو يبيع بعض الوديعة للنفقة، أو بعض أمواله لذلك، وأن ينصب أمينا من قبله، فإن تعذر جميع ذلك أنفق المستودع وأشهد ويرجع بما أنفقه مع قصد الرجوع، ولو تعذر الاشهاد فظاهر هم الاقتصار على نية الرجوع، فينفق بنية الرجوع كما تقدم في أمثاله.