تعالى يقول وما ربك بظلام للعبيد وما الله يريد ظلما للعباد وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين وأهل السنة والجماعة يقولون لم يكونوا ظالمين بل الله تعالى ظلمهم وخامسها انه يلزمهم نفي صفات الكمال عن الله تعالى مثل قوله تعالى غفورا رحيما حليما لأن هذه الصفات انما يثبت لو استحق العبد العذاب ثم عفا الله تعالى عنه وغفر له ورحمه لكن استحقاق العقاب انما يكون على ارتكاب ما نهى الله تعالى عنه فإذا كان الفعل من الله تعالى لم يتحقق شئ من ذلك وسادسها انه يلزم منه تكذيب القران العزيز في مواضع لا تحصى كثرة كالآيات التي أضاف الله تعالى الفعل فيها إلى العبد فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم بل سولت لكم أنفسكم أمرا والتي مدح المؤمن على ايمانه وذم العاصي على عصيانه والجزاء عليهما والتي نزه الله تعالى فيها نفسه عن مساواة فعله لأفعالنا والتي ذم العباد فيها على فعلهم وكيف يوبخهم؟ في قوله اني تؤفكون والإفك منه تعالى لم تصدون لم تحرم ما أحل الله لك لم تكفرون لم تلبسون لم أذنت والآيات التي فيها الجزاء فيظلم من الذين هادوا بما كنتم تكسبون وأيضا فان هؤلاء الذين هم أهل السنة والجماعة يلزمهم أحد الامرين المحالين إما كونه تعالى موجبا لأفعاله غير مختار فيها أو التناقض بين كلامهم وأول محض الكفر والثاني أعظم المحالات وبيان ذلك انهم استدلوا على اسناد أفعال العباد إلى الله تعالى بوجوه أقواها عندهم وجهان أحدهما ان الفعل الذي صدر عن العبدان علم الله وقوعه وجب وقوعه والا لجاز ان لا يقع فيلزم الجهل على الله تعالى وهو محال وإذا وجب وقوعه انتفت قدرة العبد وان علم الله تعالى عدم الفعل استحال وقوعه اذلو جاز وقوعه لزم تجويز الجهل على الله تعالى وهو محال وإذا استحال وقوعه انتفت قدرته عليه وثانيهما ان الفعل الصادر عن العبد ان وجب صدوره عنه انتفت قدرته عليه فان الواجب غير مقدور لامتناع عدمه وكل مقدور فهو غير ممتنع العدم وان لم يجب عنه كان ممكنا فترجيح وجوده على عدمه إن كان لاسبب لزم وقوع الممكن الجايز من غير سبب وهو باطل بالضرورة ومقتض لانتفاء دليل اثبات الصانع تعالى وإن كان بسبب فاما ان يجب وجوده مع ذلك السبب فيلزم نفي القدرة عليه أيضا وان لم يجب أمكن فرض عدمه في وقت ووجوده في اخر فان ترجح الوجود على العدم لا لسبب لزم المحال السابق وإن كان بسبب لم يكن ما فرضناه سببا بسبب وأيضا يعود الكلام فيه وعلى تقديره تنتفي قدرة العبد وهذا ان الوجهان ان أوجبا نفي قدرة العبد أوجبا نفي قدرة الله تعالى وذلك عين الكفر أو التناقض ان أثبتوا قدرة (لله تعالى لا صح) للعبد ولا يمكنهم الفرق بين الله تعالى والعبد في ذلك لتناول الدليلين لهما بالسوية وطريق الجواب فيهما واحد وهو ان العلم تابع فلا يؤثر في المتبوع وجوبا ولا امكانا ولا امتناعا والوجوب المستند إلى الاختيار مع القصد لا ينافي الامكان الذاتي وأيضا فهؤلاء أهل السنة والجماعة ارتكب بعضهم في باب أفعال العباد ما يخالف العقل وهو انهم لما لزمهم الشناعات العظيمة السابقة وغيرها التجأوا إلى اثبات شئ لا يعلمونه وهو الكسب فقالوا العبد غير فاعل للفعل لا بالاستقلال ولا بالشركة ولكنه مكتسب له فسئلوا عن معنى الكسب ما هو فقال بعضهم انه صفة الفعل من كونه طاعة أو معصية وقال آخرون انه عبارة عن اختيار الفعل فقيل لهما هذا الصادر ان لم يكن شيئا فلا صدور ولا صادر ولا مؤثر فيه وإن كان شيئا صادرا عن العبد فقد اعترفتم بكون العبد فاعلا فلم خالفتم الضرورة في استناد الفعل إلينا فالتجا بعضهم إلى عدم العلم بهذا الكسب وقال إنه غير معلوم وهذا أشد استحالة من الأول فان اثبات ما ليس بمعلوم كنفي ما هو معلوم في الاستحالة وأي جهل أعظم من ذلك وأيضا ارتكب أهل السنة والجماعة في باب الكلام أشياء مخالفة للعقل والضرورة قاضية ببطلانها منها انهم قالوا إن الكلام الذي تعرفه الناس بأسرهم ليس هو الكلام بالحقيقة وانما الكلام بالحقيقة عبارة عن صفة نفسانية قائمة بالمتكلم مغايرة للإرادة والتخيل والعلم وهذا الحروف والأصواب عبارة عنها وكناية لها ومنها انهم قالوا إن هذا الكلم ليس بأمر ولا خبر ولا استخبار ولا نهى وان جميع أساليب الكلام مسلوبة عنه وانه شئ واحد وهذا غير معقول ومنها انهم قالوا إن ذلك الكلام قديم ثم ذهب بعضهم إلى أنه في الأزل أمر ونهي وخبر وغير ذلك وبعضهم نفي هذه الصفات عنه أثبتوا قدم أصل الكلام وقدم الأمر والنهي والخبر غير المعقول الصدور من الحكيم فان الواحد منا لو جلس في داره وحده ثم قال يا سالم قم يا غانم اخرج ولم يكن عنده أحد عده العقلاء سفيها والضرورة قاضية بذلك فهؤلاء قد خالفوا ومع ذلك يلزم ان يكون الله تعال كاذبا لأنه أخبر بقوله تعالى انا أرسلنا نوحا وغيره من الاخبارات الماضية مع أنه لا سابق على الأزلي فقد أخبر تعالى بما لم يكن ولا معنى للكذب سوى ذلك ومن جوز ذلك على الله تعالى فهو اجهل الناس ومنها انهم أثبتوا للامر معنى مغايرا للإرادة سموه الطلب وللنهي معنى آخر غير الكراهة سموه الطلب وجوزوا ان يأمر الله تعالى بما يكرهه وان ينهي عما يريد بل الله تعالى كاره للطاعات التي لم يفعلها الكافر ومريد للمعاصي التي فعلها وقد قال الله تعالى كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها وهذا هو عين السفه والجهل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وأيضا فإنهم نفوا الحسن والقبح العقليين ولزمهم من ذلك محالات منها مخالفة الضرورة في ذلك فان كل عاقل يعلم بالضرورة حسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار وحسن الاحسان إلى الغير وقبح الظلم له وانه يقبح تكليف الأعمى بنقط المصاحف وتعذيبه على تركه وتكليف الزمن العدو والانسان الطيران إلى السماء وتعذيبه على تركه ولان كل عاقل يعلم بالضرورة الفرق بين المحسن والمسئ وان المحسن يستحق المدح والثناء والشكر والمسئ يستحق الذم واللوم ويعد ذام المحسن إليه دائما وشاكر المسئ إليه دائما من أسفه الناس واجهلهم وان من خير بين الصدق والكذب مع تساويهما في جميع المنافع فإنه يختار الصدق على الكذب ولو لاقضاء الضرورة بالفرق بينهما لما اختار العاقل الصدق على الكذب ومنها انه يجوز من الله تعالى على تقدير نفي الحسن والقبح العقليين تعذيب المطيع دائما واثابت العاصي دايما فيدخل محمد صلى الله عليه وآله النار حيث اطاعه ويعذبه فيها دايما ويدخل إبليس الجنة حيث عصاه ويخلده فيها دايما من يجوز ذلك فإنه لا شك انه من اجهل الناس ومنها انهم قالوا إن الله تعالى لا يعذب العاصي بعصيانه ولا يثبت المطيع بطاعته بل قبضه إلى الجنة ولا يبالي وقبضه إلى النار ولا يبالي وح لا أسفه ولا أشد بلها ولا جهلا من الزاهد في الدنيا الباذل ماله في عمارة المساجد والربط والقناطر ومعونة الحاج ومساعدة العلماء والقراء والمشايخ وبذل المعروف والتارك للملاهي وأنواع المعاصي والطرب والقمار والزنا وشرب الخمر والظلم الخايف من الله تعالى حيث إن ذلك قد يكون سببا لاشد العذاب ولا عقل أتم ممن يتعجل باستعمال الملاذ والملاهي المحرمة وساير أنواع اللعب والظلم والجور واخذ الأموال من غير مظانها واعتماد لكل محرم فيه منفعة دنيوية حيث إن ذلك قد يكون سببا للنعيم المخلد وبالجملة لا فرق في التأدية إلى النعيم أو العذاب بين غاية الطاعات ونهاية المعاصي وأي جهل أعظم من اعتقاد ذلك ومنها تجويز صدور أنواع الظلم والعذاب من الله تعالى في حق من لا يستحق ذلك لأنه ليس بقبيح وان يمنع كل مستحق عن حقه حيث لا قبح فيه بل هو عندهم نفس الواقع حيث كلف من لا يقدر على فعل ولا يتمكن من تركه وهذا أيضا لازم لهم من جهة أخرى فإنهم قالوا القدرة غير متقدمة على الفعل فح الفعل حالة وقوعه يكن واجبا و حال عدمه يكون ممتنعا والواجب غير مقدور عليه وقبل وقوع الفعل لا قدرة وحال القدرة لا فعل والتكليف عندهم لا يتقدم الفعل فقد كلف وما لا يطاق و يلزمهم من هذه الحيثية انتفاء العصيان من الكافر والفاسق لان المعصية هي ترك ما أمر به والفعل قبل وقوعه غير مكلف به فلا يكون تاركه مخالفا للامر فلا يكون عاصيا ومنها انه يلزم انتفاء فايدة التكيف لان التكيف هو البعث على فعل الطاعة والانتهاء عن المعصية حتى يحصل الثوب والعقاب ومع انتفاء الحسن والقبح
(٤٧١)