الكفر وأي سب أعظم ممن نسب الكفر إلى من قال الله تعالى فيه قبل هذه الآية بكلمات وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى ونسبوا إياه إلى الكفر وأي سب أعظم من أن يقال للشخص يا ابن الكافر بل سبوا الله تعالى حيث أسندوا جميع الموجودات من الحسن والقبيح إليه تعالى فجميع شر في العالم أو ظلم أو غير ذلك فهو صادر منه تعالى الله عن ذلك وإذا سب الانسان غيره فقال أنت كافر كان معناه انك أو جدت الكفر وفعلته فبأي شئ يسب الله تعالى بأعظم من ذلك واما بيان بطلان القول الثاني فلان الجهل ليس باعتبار اعتقاد الإمامة لان العقل والنقل متطابقان عليها ولا باعتبار اعتقادهم في صفات الامام من العصمة والانحصار في عدد معين لدلالة العقل والنقل معا عليه فان غير المعصوم يحتاج إلى امام معصوم كما احتاجت الإمامة إليه وقد نص النبي صلى الله عليه وآله في عدة مواطن على تعيين الامام وعلي تعدده وانحصاره في الاثني عشر عليهم السلام والاجماع المركب الدال عليه فإن كان من يعتقد وجوب العصمة في الإمام قال بانحصار الأئمة فيهم وقد ثبت بالدليل وجوب العصمة فثبت الاجماع ولا باعتبار اعتقادهم طول عمره لان ذلك أمر ممكن وواقع وقد نص القران الغريز على وقوعه في نوح حيث قال تعالى فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاما ونقل انه عاش الف سنة وثلثمائة سنة وعاش ادم عليه السلام تسعمائة وثلثون سنة مذكور في التوراة وعاش شيث تسعمائة اثنى عشره سنة وعاش إدريس ثلثمائة وخمسا وستين سنة وكان عمر إبراهيم (ع) مائتي سنة وقيل مائة وخمسة وتسعون سنة وعمر الخضر إلى الان وليس له القرب الذي للامام المنتظر عليه السلم من النبي صلى الله عليه وآله وهو أقدم ولادة منه (ع) بعدة ألوف من السنين بالجملة فطول العمر من الأمور الممكنة بلا خلاف وكل ممكن فهو مقدور لله تعالى بلا خلاف ومن أنكر هذين الحكمين كان خارقا للاجماع وإذا كان ممكنا كيف ينسب من يعتقد وقوعه مستندا إلى هذا الامكان والى اخبار كثيرة وردت عليه من جماعة يعتقد عدالتهم وأمانتهم وصدقهم إلى الجهل بل لو اجتمعت هذه المقدمات عند من حكم بالجهل ثم لم يعتقد النتيجة منها كان اجهل الناس بل الأولى صرف هذه الوصية إلى منكري الضروريات كالسوفسطائية ومن ضارعهم من أهل السنة والجماعة ولو خصص الوصية فقال يعطي هذا لأجهل المسلمين قالوا فالواجب ينبغي ان يصرف إلى من ضارع السوفسطائية في انكار الضروريات من أهل السنة والجماعة وبيان ذلك ان أهل السنة والجماعة التزموا برؤية الله تعالى وهذا اعتقاد مخالف لما قضت به بديهة العقل فان الضرورة قاضية بان الرؤية انما تكون للمقابل أو في حكمه وهو مخصوص بذوات الأوضاع فما لا وضع له لا يمكن رويته بضرورة العقل وكيف يحكم عاقل بانا ترى ما ليس في جهة ولا يشار إليه إشارة حسية انه هنا أو هناك وأيضا ذهبوا إلى أنه يجوز ان يكون بين أيدينا جبال شاهقة من الأرض إلى السماء وهي من مشرقة بألوان مختلفة ولا حاجب بيننا وبينها ونور الشمس قد سطع عليها وأشرقت به وصاحب الحاسة السليمة لا يشاهدها وبينها وبينه أقل من شبر وانه يجوز ان يشاهد الأعمى الذي لم يخلق الله له تعالى حاسة البصر وهو على طرف المشرق مثلا نملة بقدر رأس الإبرة تمشي على وصخرة سوداء في طرق قطر المغرب وكذا جوز وأن يكون صحيح السمع في الغاية ولا يسمع الأصوات الهايلة التي هي أقوى من أشد الصواعق صوتا ولا حايل بينه وبينها ويخفى عليه ذلك ولا صمم باذنه ثم يسمع الأصم الذي لا يسمع شيئا البتة من أول عمره وهو على طرف قطر المشرق وادنى مشاورة بين اثنين لا يسمع ثالث عندهما وهما على طرف قطر الغرب وجوزوا ان يكون البرية الخالية من البشر التي قدرها طولا وعرضا مائة فرسخ مثلا وقد امتلأت الوفا من الخلايق التي لا حصر لعددهم وهم في غاية المحاربة والمسابقة والمرامات بالمناجيق والمصاولة بالحراب والسيوف والخيول التي يركبونها ولا حصر لها والانسان الساير في تلك البرية طولا وعرضا ومستقيما ومعوجا على خط مستقيم ومستدير يحيط تلك البرية ويحول فيها بفرسه ولا يسمع لأولئك حسيسا ولا يدرك لهم صورة ولا يصدم منهم انسانا ولا دابة بل تتورى عنه وتنحرف يمينا وشمالا وفي جميع المسامتات يبعد عنه وجوزوا ان الواحد منا يرى جوع غيره وشبعه ويدرك ذلك منه وكذا يدرك لذة الغير واله وفرحه وغمه وسروره ويرى علمه وظنه ووهمه وشكه وخوفه واعتقاده واحساسه وجميع الكيفيات النفسانية التي للغير ولا يشاهد لون بشر ته ولا يرى أنها سوداء أو بيضاء مع عدم الحاجب عنها ووقوع الضوء عليها وبالجملة يشاهد ما وقع بينه وبينه حجاب عرضه الف ذراع من الحديد مثلا في الليلة الظلماء ولا ضوء هناك ولا يشاهد ما هو إلى جانبه ولا حاجب له ونور الشمس مشرق عليه وهو ملون وكذا يشاهد الذرة في المشرق وهو بالمغرب ولا يدرك الجبل العظيم الحاضر عنده ولا مانع من رؤيته وأيضا ذهبوا إلى انتفاء صدور المسببات عن أسبابها ونفوا العلية مطلقا بين العلة والمعلول فقالوا الانسان إذا ترك في الثلج إلى حد رأسه قد لا يحصل له البرد بل يكون حاله هناك كحاله إذا وقع في تنور مسعر قد اشتعل فيه الخشب العظيم مدة أيام وأن يكون حاله إذا وقع في ذلك التنور بمنزلة ما إذا وقع في بحر الثلج بحيث يحس في الثلج بالحر المفرط وفي التنور المسعر بالبرد المفرط وان الضرب ليس سبب في الألم بل قد يضرب الانسان أشد الضرب بأقوى الآلات المؤلمة ولا يحصل له ألم البتة بل قد يحصل له اللذة العظيمة التي يدركها عند مباشرته لأحسن الصور حالة الوقاع وبالعكس وهؤلاء في الحقيقة أعظم سفسطة من السوفسطائية لان جماعة من الحكماء لما عجزوا عن مجادلة منكري البديهيات من السوفسطائية التجأوا إلى ضربهم بالخشب واحراقهم بالنار بحيث يدركون الألم الشديد ويفرقون بين حالهم عند الضرب والاحتراق وحالهم عند الخلو عنهما وإذا فرقوا بين الاحساس وعدمه حصل الفرق بالعقل بين المعلوم بالضرورة ومالا يعلم بالضرورة وهؤلاء اعترفوا على أنفسهم بأنه قد يحصل لهم عند الضرب العظيم والاحراق بالنيران الكثيرة ضد اللام وهو اللذة العظيمة فصاروا بهذا الاعتبار أشد عناد اللحق من السوفسطائية وقالوا ان المدلول ولا يحصل من سببه وهو الدليل بل قد يحصل من خلافه أو يحصل ضده فإذا قال الانسان العالم متغير (وكل متغير محدث صح) محدث لا يلزم حصول اعتقادان العالم محدث بل قد يحصل ان العالم قديم أو يحصل ان الانسان جسم مثلا وإذا اعتقد ان الانسان حيوان وان كل حيوان جسم لا يحصل ان الانسان جسم بل قد يحصل أن الانسان عرض وان العالم محدث وأي جهل أعظم من ذلك وأيضا قالوا إن الله تعالى هو الخلاق لا فعال العباد بأسرها خيرها وشرها حسنها وقبيحها وقد خالفوا الضرورة في ذلك فان كل عاقل يجزم جزما ضروريا بأنه الفاعل لا فعال نفسه بحسب اختياره وارادته وان الضرورة فرقت بين وقوع الانسان من سطح ا لدار ونزوله بالدرج ونعلم بعدم اختياره في الأول وانه مختار في الثانية قال أبو الهذيل العلاف حمار بشرا عقل من بشر لان حمار بشر إذا أتيت به إلى جدول صغير وحملته على طفره طفره ولو أتيت به إلى جدول كبير وحملته على طفره لم يطفره ولو بالغت في ضربه عدل يمينا وشمالا ولم يطعك على طفره لأنه فرق بين بما يقدر عليه وما لا يقدر عليه وبشر لم يفرق بينهما ولزمهم من ذلك ارتكاب محالات أحدها نسبة الله تعالى إلى الظلم حيث يعذب الكافر أشد العذاب من غير صدور ذنب منه إذ لا فرق بين فعله وشكله فجوزوا تعذيب الكافر على لونه وطوله وقصره وغير ذلك من الافعال التي فعلها الله تعالى فيه كما يعذبه على الذنوب وثانيها انه تعالى كلف العبد ما لا قدرة له عليه وامره ونهاه بمالا يمكن صدوره عنه وأي ظلم أعظم من ذلك تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وثالثها انهم جوزوا بواسطة ذلك تكليف الأعمى قراءة المصاحف ونقطها والتمييز بين الألوان و تكليف الزمن العدو وتكليف الانسان الطيران إلى السماء ويعذب على ترك ذلك وهذا من أعظم أنواع الظلم ورابعها انهم يلزمهم تكذيب القران العزيز فان الله
(٤٧٠)