سفيها خبيث اللسان فيعذر الموكل في التوكيل والحق ما قلناه لأنه توكيل في خالص حقه فيمكن منه كالتوكيل باستيفاء الدين من غير رضا من عليه ولا فرق في التوكيل في الخصومة بين ان يكون المطلوب مالا أو عقوبة للادميين كالقصاص وحد القذف وكذا حدود الله تعالى عندنا خلافا للشافعي مسألة في التوكيل بالاقرار اشكال وصورته أن يقول وكلتك لتقر عني لفلان قال الشيخ رحمه الله انه جايز وهو أحد قولي الشافعية لأنه قول يلزم به الحق فأشبه الشراء وسائر التصرفات وبه قال أبو حنيفة أيضا ومعظم الشافعية على المنع لان الاقرار اخبار عن حق عليه ولا يلزم الغير الا على وجه الشهادة وهذا كما لو قال رضيت بما يشهد به على فلان فإنه لا يلزمه كذلك هنا ولأنه اخبار فلا يقبل التوكيل كالشهادة وانما يليق التوكيل بالانشاءات فعلى هذا هل يجعل مقرا به من التوكيل فيه للشافعية وجهان أحدهما نعم تخريجا واختاره الجويني لان توكيله دليل ثبوت الحق عليه لان قوله أقر عني بكذا يتضمن وجوبه عليه وأظهرهما انه لا يجعل مقرا كما أن التوكيل بالابراء لا يجعل ابراء وكالتوكيل في البيع فإنه لا يكون بيعا ورضاه بالشهادة عليه لا يكون قرارا بالحق وعندي في ذلك تردد فان قلنا بصحة التوكيل في الاقرار ينبغي ان يبين للوكيل جنس المقر به وقدره فلو قال أقر عني بشئ لفلان طولب الموكل بالتقصير ولو اقتصر أقر عني لفلان فللشافعية وجهان أحدهما انه كما لو قال أقر عني له بشئ وأصحهما انه لا يلزمه شئ بحال لجواز ان يريد الاقرار بعلم أو شجاعة لا بالمال مسألة لا يصح التوكيل بالالتقاط فإذا امره بالالتقاط فالتقط كان الملتقط أحق به من الآمر والميراث لا تصح النيابة فيه الا في قبض الموروث وقسمته وتصح النيابة في دفع الديات إلى مستحقها والجنايات لا تصح النيابة فيها لأنها ظلم فيتعلق بفاعلها واما قتال أهل البغى فيجوز ان يستنيب فيه والأشربة لا تصح النيابة فيها ويجب الحد على الشارب لأنه فعل المحرم واما الجهاد فقد منع الشافعي من دخول النيابة فيه بحال بل كل من حضر الصف توجه الفرض عليه وهو بهذا المعنى صحيح وكذا ما قلناه أولا من الصحة النيابة في الجهاد على معنى ان للرجل ان يخرج غيره بأجرة أو غيرها وأما الذبح فيصح التوكيل فيه وكذا يصح في السبق والرمي لأنه إما اجارة أو جعالة وكلاهما تدخله النيابة ويصح التوكيل في الدعوى لان ذلك مطالبة بحق غيره فهو كاستيفاء المال ويجوز التوكيل في مطالبة الحقوق واثباتها والمحاكمة فيها حاضرا كان الموكل أو غائبا صحيحا أو مريضا النظر الثالث في العلم مسألة لا يشترط في متعلق الوكالة وهو ما وكل فيه ان يكون معلوما من كل وجه فان الوكالة انما جوزت لعموم الحاجة وذلك يقتضي المسامحة فيها ولذلك جوز بعضهم تعليقها بالاقرار ولم يشترط القبول اللفظي فيها ولا الفورية في القبول ولكن يجب ان يكون معلوما مبينا من بعض الوجوه حتى لا يعظم الغرر ولا فرق في ذلك بين الوكالة العامة والخاصة فأما الوكالة العامة بان يقول وكلتك في كل قليل وكثير فإن لم يضف إلى نفسه فالأقوى البطلان لأنه لفظ مبهم في الغاية ولو ذكر الإضافة إلى نفسه فقال وكلتك في كل أمر هو إلي أو في كل أموري أو في كل ما يتعلق بي أو في جميع حقوقي أو بكل قليل أو كثير من أموري أو فوضت إليك جميع الأشياء التي تتعلق بي أو أنت وكيلي مطلقا فتصرف في مالي كيف شئت أو فصل الأمور المتعلقة به التي تجري فيها النيابة فقال وكلتك ببيع املاكي وتطليق زوجاتي واعتاق عبيدي أو لم يفصل على ما تقدم أو قال وكلتك بكل أمر هو إلي مما يناب فيه ولم يفصل أجناس التصرفات أو قال أقمتك مقام نفسي في كل شئ أو وكلتك في كل تصرف يجوز لي أو في كل مالي التصرف فيه فالوجه عندي الصحة في الجميع وبه قال ابن أبي ليلى ويملك كل ما تناوله لفظه لأنه لفظ عام فيصح فيما تناوله كما لو قال بع مالي كله ولأنه لو فصل وذكر جميع الجزئيات المندرجة تحت اللفظ العام صح التوكيل سواء ضمها بعضها إلى بعض أو لا فيكون الاجمال صحيحا وقال الشيخ رحمه الله لا تصح الوكالة العامة وهو قول جميع العامة الا ابن أبي ليلى لما فيه من الضرر العظيم والخطر الكثير لأنه يدخل فيه هبة ماله وتطليق نسائه واعتاق رقيقه وان يزوجه نساء كثيرة ويلزمه المهور الكثيرة والأثمان العظيمة فيعظم لحوق الضرر والجواب انا نضبط جواز تصرف الوكيل بالمصلحة فكل ما لا مصلحة للموكل فيه لم ينفذ تصرف الوكيل فيه كما لو وكله في بيع شئ وأطلق فإنه لا يبيع الا نقدا بثمن المثل من نقد البلد كذا في الوكالة العامة وكذا يصح لو قال له اشتر لي ما شئت خلافا لبعض العامة وعن أحمد رواية انه يجوز عملا بالأصل ولان الشريك والمضارب وكيلان في شراء ما شاء أو حينئذ ليس له ان يشتري الا بثمن المثل وأدون ولا يشتري ما يعجز الموكل عن ثمنه ولا ما لا مصلحة للموكل فيه ولو قال بع مالي كله واقبض ديوني كلها صح التوكيل لأنه قد يعرف ماله وديونه ولو قال بع ما شئت من مالي واقبض ما شئت من ديوني صح التوكيل لأنه إذا أجاز التوكيل في الجميع ففي البعض أولي ووافقتنا العامة في جواز وكلتك في بيع أموالي واستيفاء ديوني أو استرداد ودايعي أو اعتاق عبيدي والتفاوت ليس بطائل واما الوكالة الخاصة فهي المقصورة على نوع من الأنواع كبيع عبد أو شراء جارية أو محاكمة خصم أو استيفاء دين منه وما أشبه بذلك ولا خلاف في جوازها مسألة إذا وكله في بيع أمواله صح ولا يشترط كون أمواله معلومة حينئذ بل يتبعها الوكيل ويبيع ما يعلم انتسابها إليه وللشافعية فيه وجهان هذا أصحهما ولو قال وكلتك في قبض جميع ديوني على الناس جاز مجملا وان لم يعرف من عليه الدين وانه واحد أو اشخاص كثيرة وأي جنس ذلك الدين أما لو قال وكلتك في بيع شئ من مالي أو في بيع طايفة منه أو قطعة منه أو في قبض شئ من ديوني ولم يعين فالأقوى البطلان لجهالته من الجملة ولا بد من أن يكون الموكل فيه مما يسهل استعلامه أما لو قال بع ما شئت من أموالي أو اقبض ما شئت من ديوني فإنه يجوز وكذا لو قال بع من رأيت من عبدي وقال بعض الشافعية لا يجوز حتى يعين وليس شيئا مسألة لو قال له بع ما شئت من مالي جاز خلافا لبعض الشافعية ولو قال بع ما شئت من عبيدي جاز عندنا وعندهم وفرقوا بان الثاني محصور الجنس بخلاف الأول وليس بجيد لان ما جاز التوكيل في جميعه جاز في بعضه كعبيده ولو قال اقبض ديني كله وما يتجدد من ديوني في المستقبل صح على اشكال في المتجدد ولو قال له اشتر لي شيئا أو حيوانا أو رقيقا أو عبدا أو ثوبا ولم يعين الجنس فالأقوى عندي الجواز ويكون الخيار في الشراء إلى الوكيل ويكون ذلك كالقراض حيث امره صاحب المال بشراء شئ وقال أصحاب الشافعي لا يصح مع الاطلاق حتى يبين ان الرقيق عبد أو أمة ويبين النوع أيضا من أنه تركي أو هندي أو غيره لان الحاجة قد تقل إلى شراء عبد مطلق على اي نوع ووصف كان وفي الابهام ضرر عظيم فلا يحتمل وانما تمس الحاجة في الأكثر وتدعو إلى غلام من جنس معين هذا مذهب أكثرهم وذكر بعضهم وجها انه يصح التوكيل بشراء عبد مطلق مسألة إذا وكله في شراء عبد وأطلق فقد بينا جوازه وعند الشافعية لا بد من تعيين جنسه وهل يفتقر مع تعيين النوع الثمن الأقرب عندي عدمه وهو أصح وجهي الشافعية وبه قال أبو حنيفة وابن شريح لأنه إذا ذكر نوعا فقد اذن له في أعلاها ثمنا فيقل الغرر ولان ضبط الثمن مما يعسر معه التحصيل لأنه قد لا يوجد به ولان تعلق الغرض بعبد من ذلك النوع نفيسا كان أو خسيسا ليس ببعيد والثاني للشافعية لا بد من تقدير الثمن أو بيان غايته بان يقول مائة أو من مائة إلى الف لكثرة التفاوت فيه ويجوز ان يذكر له أكثر الثمن أو أقله وإذا كان التفاوت في الجنس الواحد كثيرا لم يتم التوكيل الا بالتعيين وهو ممنوع ولا يشترط استقصاء الأوصاف التي تضبط في السلم ولا ما يقرب منها اجماعا نعم إذا اختلفت الأصناف الداخلة تحت النوع الواحد اختلافا ظاهرا قال بعض الشافعية لا بد من التعرض له وليس شيئا وهل يكفي ذكر الثمن عن ذكر النوع فيقول له
(١١٩)