ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجا وتخلصا عن المهلكة، وأنه إنما يكون مطلوبا على كل حال لو لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار، وإلا فهو على ما هو عليه من الحرمة، وإن كان العقل يلزمه إرشادا إلى ما هو أهم وأولى بالرعاية من تركه، لكون الغرض فيه أعظم، من ترك الاقتحام فيما يؤدي إلى هلاك النفس، أو شرب الخمر، لئلا يقع في أشد المحذورين منهما، فيصدق أنه تركهما، ولو بتركه ما لو فعله لادى لا محالة إلى أحدهما، كسائر الأفعال التوليدية، حيث يكون العمد إليها بالعمد إلى أسبابها، واختيار تركها بعدم العمد إلى الأسباب، وهذا يكفي في استحقاق العقاب على الشرب للعلاج، وإن كان لازما عقلا للفرار عما هو أكثر عقوبة.
ولو سلم عدم الصدق إلا بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع، فهو غير ضائر بعد تمكنه من الترك، ولو على نحو هذه السالبة، ومن الفعل بواسطة
____________________
لا يخرجه عن المبغوضية، لأنه انما يكون بسوء الاختيار، واما ان كان عن توبة وندامة فالحق أنه يكون مطلوبا وإطاعة كما يحكم العقل به قطعا، ضرورة ان حرمة التصرف الدخولي ترتفع بالتوبة بجميع مراتبها وآثارها، وان التوبة تصير التائب بمنزلة يوم ولدته أمه، وتطهره من جميع الأدناس، كما ينادى به ويدل عليه الاخبار القطعية والآثار المروية، فإذا عرفت ارتفاع حرمة الدخول بالتوبة فلا يبقى مجال لمبغوضية التصرف الخروجي، فان مبغوضية الخروج انما يكون من قبل التصرف الدخولي الذي يكون بسوء الاختيار، ويكون من اثاره وفروعه، والا فالخروج بما هو هو مع كونه اضطراريا لا يكون مبغوضا أصلا، وإذا ارتفع