وهذان الخبران وإن اشتملا على العقد إلا أنه في عكس القاعدة المقررة عندهم حيث إن الإيجاب فيهما إنما وقع ممن وظيفته القبول، والقبول ممن وظيفته الإيجاب مع عدم ذكر لفظة تدل على القبول، وإنما ظاهرهما كون القبول وقع بمجرد الرضا من غير لفظة، وهو أبلغ في الرد لما قالوه، ومن ذلك يعلم ما ذكرناه من اتساع الدائرة في العقود، والله سبحانه العالم.
الثالث: قد عرفت مما قدمناه من الأخبار أن الإجارة من العقود اللازمة وعليه اتفاق كلمة الأصحاب، وحينئذ فلا تبطل إلا بالتقايل أو أحد الأسباب الموجبة للفسخ، مثل أن يتعذر الانتفاع بالعين المستأجرة لغصبها، أو انهدامها، أو مرض الأجير كما تقدم في مكاتبة اليقطيني ونحو ذلك مما سيأتي انشاء الله تعالى.
ولا تبطل بالبيع إذ لا منافاة بينهما لأن الإجارة إنما تتعلق بالمنافع والبيع إنما يتعلق بالأعيان والمنافع وإن كانت تابعة للأعيان، إلا أن المشتري متى كان عالما بالإجارة فإنه يتعين عليه الصبر إلى انقضاء مدة الإجارة، لأنه قدم على شراء مال مسلوب المنفعة هذه المدة وإن كان جاهلا تخير بين فسخ البيع وامضائه مسلوب المنفعة إلى تمام المدة المعينة.
والأقرب أنه لا فرق في صحة العقد بين كون المشتري هو المستأجر أو غيره فيجتمع عليه لو كان هو المشتري الثمن من جهة البيع، والأجرة من جهة الإجارة وربما قيل ببطلان الإجارة وانفساخها في الصورة المذكورة، لأن تملك العين يستلزم ملك المنافع، لأنها نماء الملك، وفيه أن ذلك مسلم فيما لو لم يسبق سبب آخر لتملكها وهيهنا قد تقدم عقد الإجارة الموجب لملك المنفعة، والبيع إنما ورد على ملك مسلوب المنفعة في تلك المدة بعين ما ذكرناه في صورة ما، إذا كان المشتري شخصا آخر غير المستأجر.
وكيف كان فإن العقدين صحيحان لا منافاة بينهما، ولو ثبتت المنافاة بين لبيع والإجارة لكان الباطل هو البيع، دون الإجارة.
والذي وقفت عليه من الأخبار الدالة علي صحة البيع هنا ما رواه في الفقيه