الألباب، لاستفاضة الأخبار بأنه بعد فتح خيبر أقر الأرض في أيدي الذين فيها وقاطعهم بالنصف يعني جميع من كان فيها من اليهود لا شخصا بعينه منهم، أو اثنين أو ثلاثة مثلا، ومنها صحيحة يعقوب بن شعيب (1) المذكورة هيهنا، وقوله فيها " أعطاهم إياها على أن يعمروها ولهم النصف مما أخرجت " وفي حديث الكناني (2) قال:
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن النبي (صلى الله عليه وآله) لما فتح خيبر تركها في أيديهم على النصف، فلما بلغت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة إليهم، فخرص عليهم فجاؤوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا: إنه قد زاد علينا فأرسل إلى عبد الله وقال: ما يقول هؤلاء؟ قال: قد خرصت عليهم بشئ، فإن شاؤوا يأخذون بما خرصنا وإن شاؤوا أخذنا، فقال رجل من اليهود: بهذا قامت السماوات والأرض ".
وفي معناه غيره من الأخبار الكثيرة، فهل ترى هنا بعد ذكر هم بطريق الجمع في هذه الموارد مجالا للحمل على واحد منهم، بل الظاهر لكل ناظر إنما هو دفع الأرض إليهم كملا بعد فتحها وأخذها عنوة، على أن يزرعوها بالمناصفة، وهذا هو الذي عليه العمل الآن في جميع الأصقاع والبقاع وذكر الاثنين في أكثر الأخبار إنما خرج مخرج التمثيل، لا الحصر.
وأما ثالثا فإن كون العقد يتم باثنين موجب وقابل لا ينافي التعدد في جانب كل منهما كما في سائر العقود من بيع وغيره، بأن يوجب عنه وعن غيره، ويقبل كذلك فإن قيل: إنه قد ثبت ذلك بدليل من خارج - قلنا: وهذا قد ثبت بعموم أدلة المزارعة، ولا سيما قضية خيبر كما عرفت، على أنك قد عرفت في كتاب البيع أن ما ذكروه من العقد المشتمل على الإيجاب والقبول بالنحو الذي تقدم ذكره عنهم لا دليل عليه، وإنما الذي دلت عليه الأخبار هو مجرد التراضي