البحث الثاني في الحق المضمون وفيه مسائل - الأولى يشترط في المال المضمون أن يكون ثابتا في الذمة وإن لم يكن مستقرا، كالثمن في مدة الخيار فيصح ضمانه، وهذا الضمان قد يكون للبايع القابض الثمن، فيضمن له عن المشتري على تقدير ظهور كونه مستحقا للغير، أو على تقدير ظهور عيب فيه، ليرجع بأرشه، وقد يكون ضمانه للمشتري على تقدير ظهور كون البيع مستحقا للغير ليرجع به، وعلى التقديرين فإنما هو ضمان لعهدته، لا له نفسه، والفرق بين الضمانين ظاهر من جهة اللفظ والمعنى.
أما الفرق اللفظي فإنه في ضمانه نفسه، يقول ضمنت لك الثمن الذي في ذمة زيد مثلا، وفي ضمان العهدة يقول ضمنت لك عهدته أو دركه.
وأما المعنوي فإنه بالنسبة إلى ضمانه نفسه يفيد انتقاله إلى ذمة الضامن، كما عرفت فيما تقدم، وبرائة المضمون عنه، وضمان العهدة ليس كذلك، بل إنما يفيد ضمان دركه على بعض التقديرات، وفي ضمان المال ليس بلازم، ولكن يؤل إلى اللزوم كمال الجعالة قبل فعل ما شرط، ومال السبق والرماية على خلاف.
ووجه الصحة - على ما ذكروه - هو أن الجعالة وإن كانت من العقود الجايزة والمال فيها لا يلزم إلا بتمام العمل، فإن بقي منه شئ وإن قل فليس له شئ إلا أنه يؤل إلى اللزوم بتمام العمل، وقد وجد سبب اللزوم، وهو العقد فيكون كالثمن في مدة الخيار، وأجيب عن ذلك بمنع وجود السبب، فإنه العقد والعمل معا لا العقد وحده، وإنما هو جزء السبب، ولم يحصل به ثبوت ولا لزوم، حتى أنه لو لم يتم العمل وبقي منه شئ، فإنه لا يستحق شيئا بما مضى، فيكون الباقي بمنزلة الشرط في استحقاق الجميع، فكيف إذا كان قبل الشروع في العمل، والفرق بينه وبين الثمن في مدة الخيار ظاهر، لأن الثمن ثابت في ذمة المشتري - مملوك للبايع، غاية الأمر أنه