بقي الاشكال هنا من وجه آخر، كما نبه عليه شيخنا الشهيد الثاني، قال في المسالك بعد ذكر المسألة: هذا هو المشهور بين الأصحاب، ومستنده رواية السكوني عن الصادق (عليه السلام) ويشكل الحكم - مع ضعف المستند - بأن التالف لا يحتمل كونه بينهما بل هو من أحدهما خاصة، لامتناع الإشاعة هنا والموافق للقواعد الشرعية القول هنا بالقرعة، ومال إليه في الدروس إلا أنه تحاشى عن مخالفة الأصحاب، ومقتضى الرواية أنه يقسم كذلك وإن لم يتصادم دعواهما في الدينار، وأنه لا يمين، وكذا لم يذكر الأصحاب هنا يمينا، بناء على كون الحكم المذكور قهريا كما ذكروه في المسألة السابقة، وربما امتنعت اليمين هنا، إذا لم يعلم كل منهما بعين حقه. انتهى. وهو جيد.
وبالجملة فالظاهر من روايات المسئلتين المذكورتين أن الحكم المذكور فيهما قهري غير مشروط بشئ من القيود التي ذكروها من يمين وغيرها والله العالم.
ومنها أنه لو كان لواحد ثوب بعشرين درهما وللآخر ثوب بثلاثين درهما ثم اشتبها فإن خير أحدهما صاحبه فقد أنصفه وإن تعاسرا بيع الثوبان وقسم الثمن بينهما، وأعطى صاحب العشرين سهمين من الثمن، وصاحب الثلاثين ثلاثة أسهم.
والمستند في ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) عن إسحاق بن عمار (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)، " في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهما في ثوب وآخر عشرين درهما في ثوب، فبعث بالثوبين ولم يعرف هذا ثوبه ولا هذا ثوبه قال: يباع الثوبان فيعطي صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن، والآخر خمسي الثمن قال: فقلت: فإن صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين. اختر أيهما شئت، قال: قد أنصفه ".
وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا المقام فذهب الشيخ وجماعة منهم المحقق وغيره إلى الوقوف على ما دلت عليه الرواية، وذهب ابن إدريس إلى العمل بالقرعة، قال بعد ذكر المسألة: إن استعملت القرعة كان أولى للاجماع على أن كل أمر ملتبس فيه القرعة، وهذا من ذاك، وإليه يميل كلام شيخنا الشهيد