في المعاني الاعتبارية التي يكون منشأ انتزاعها غير الجعل، كالأبوة، والاخوة، لكون الانشاء حينئذ لغوا، ووضع الألفاظ للمعاني جعلا وإفادة إنما هو للحاجة، كما هو ظاهر، والارتباط بين المعاني بالأولية والآخرية، والظرفية، والعلو، وغيرها، إنما هو من الاعتبارات المنتزعة عن خصوصيات وجود الطرفين، لا من جعل الجاعل لها وانشائها، ووجود الارتباط بين المعاني المفهومة عند استعمال الحروف واستعمال الأسماء، ليس ملاكه ما ذكر من إنشاء الربط في الأول دون الثاني، بل الملاك ما نذكره فيما بعد انشاء الله تعالى.
والتحقيق في الفرق بين الحروف وما يترائى ترادفه معها من الأسماء، أن الأسماء موضوعة لإفادة مفاهيم الارتباطات على وجه الاستقلال، والحروف لافادتها تبعا لملاحظة المتعلقات.
وهذه العبارة ذكرها كثير من المحققين في مقام الفرق، لكن لم يذكروا كيفية نحو الإفادة.
إن قلت: المعنى الواحد كيف يتصور على وجهين؟
قلت في توضيحه: إن المفاهيم الجوهرية والعرضية بعضها مرتبط ببعض بأنحاء كثيرة من العلية، والمعلولية، والتقدم، والتأخر، والأولية، والآخرية، والعلو، وغيرها، وهذه الارتباطات لا وجود لها في الخارج إلا بوجود المرتبطين، فوجودهما بالنحو الخاص منشأ لانتزاعها، ولا يمكن أن يوجد الارتباط في الخارج بوجود غير وجود الطرفين، وأما في الذهن فيمكن أن يوجد الارتباط بعين وجود الطرفين، ويتصور بتصورهما كما في الخارج، وذلك بأن يتصور الطرفان متخصصين بالخصوصية التي بها يصح انتزاع الارتباط، بينهما، كما إذا تصورت السير المتناهي المنقطع من أحد طرفيه بالبصرة، ومن الآخر بالكوفة، مع سبق