وثالثها (1): أن العقد تابع للقصد في سائر الأحكام، بمعنى أنها لا تترتب إلا مع كونها مقصودة.
فمن لم يقصد النفقة في النكاح لا نفقة عليه، ومن لم يقصد ضمان الدرك في البيع فلا ضمان عليه، ومن لم يقصد خيار المجلس أو الشفعة أو خيار الحيوان أو توابع المبيع - كثياب الجارية ومفتاح الدار - أو المهر في مفوضة البضع أو لحوق الولد أو عدم جواز جمع الأختين أو نكاح الخامسة - أو نظائر ذلك من الأحكام غير المتناهية اللاحقة للعقود بعد تحقق أركانها وصحتها - لا يتعلق فيه هذه الأحكام بالنسبة إليه.
وتبعية العقد للقصد بهذا المعنى لم يقم دليل على اعتباره، بل يرده أمور:
أحدها: الإجماع القطعي من الأصحاب على عدم اعتبار القصد في ذلك كله، كما لا يخفى على من راجع كلامهم.
فإن قلت: كيف تدعي الإجماع على ذلك مع أن قولهم: (العقود تابعة للقصود) مطلق يشمل المقام؟
قلت: ليس كذلك، بل معنى كلامهم: (أن العقد تابع للقصد) بمعنى أن النكاح والبيع لا يصح إلا بقصد اللفظ والمعنى والأركان - على ما قررناه - إذ لفظ (العقد) اسم لمجموع الإيجاب والقبول المتقوم بهذه الأركان، والأثر اللازم له ما هو المقصود منه الداخل في معنى (2) الإيجابين - كما قررناه - وأما الأحكام اللاحقة للعقد بعد وجوده وفرض صحته فهي ليست داخلة تحت اسم العقد ولا مقدمة لتحققه، ولا وجه لكونها تابعة للقصد، فهذه العبارة منهم (3) دالة على اعتبار القصد في ماهية العقد وأركانه، دون أحكامه.
وثانيها: قيام السيرة القطعية من المسلمين قديما وحديثا على عدم قصد الأحكام في العقود والإيقاعات، بل هي غير محصورة لا يكاد يطلع عليها فقيه،