وثانيا نقول: إنا نثبت البطلان بالنسبة إلى الجانب الغير المنتفع، ويثبت البطلان في الجانب الآخر بعدم التفكيك، مع أن الدخول تحت دليل التجارة بمجرد ذلك محل نظر، لأن التجارة ما قصد فيه الانتفاع من الجانبين، وما نحن فيه ليس من هذا الباب على كل حال.
تنبيهان:
أحدهما: أن السفهية تختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة والأجناس والأعواض وغير ذلك، مثلا شراء الماء على الشط من دون مانع عن تناول الماء عقلا وعرفا سفه وفي الفلاة ليس كذلك، وإعطاء الأجرة على شئ يستظل به في الشتاء مع البرد الشديد المحوج إلى الشمس سفه، واستئجار الدابة للركوب في السفينة كذلك. والحاصل: للخصوصيات مدخلية في المقام وإن كان بعض أنواع المعاملة كما مثلنا بها سفها على كل حال، لكن لا ينحصر في ذلك، بل المعاملات المعتادة نوعا قد تكون سفها في خصوص زمان أو مكان، أو بالنسبة إلى شخص خاص، فتدبر.
وثانيهما: أن المعاملة السفهية نوعا - كإعطاء كرور (1) بدرهم - قد تخرج عن السفهية إذا تعلق بها غرض صحيح هو من مقاصد العقلاء، ولا بد من كون الغرض بحيث لا يحصل بدونها، وليس مطلق الغرض المعتد به مخرجا عن السفهية. وكلام الشهيد الثاني رحمه الله في الباب حيث قال: (ويرتفع السفه بتعلق غرض صحيح) (2 منزل على ذلك، بل يمكن دعوى: أن الغرض معناه: ما لا يحصل في نظر الفاعل إلا به، وما أمكن حصوله بدونه أو بأقل منه لا يعد غرضا لذلك، ويوضحه ما مثل به بقوله: (كالصبر بدين حال ونحوه) (3) فتبصر.