كونها مخالفة للظاهر أو الأصل، أو كونها أمرا خفيا مطلقا، أو كون تركها موجبا لانقطاع النزاع، وهذه التعاريف ذكرها الأصحاب في المدعي، لكن لما كان هذا التعريف له من جهة صدور الدعوى منه فالعمدة معرفة الدعوى، وكل من اتصف بها يسمى مدعيا.
وليس الاختلاف في الدعوى بهذه الأمور نزاعا في الحكم أو في إثبات حقيقة جديدة، بل لا بحث في كون المدعي ما (1) كان يسمى به عرفا، وهذا الاختلاف في تحديد العرف، والذي فهمناه من العرف: أن بناء العرف على اعتبار نوع خفاء في مفهوم الدعوى، ولذلك يحتاج إلى الأثبات، وإلا فالشئ الذي لا خفاء فيه لا يحتاج إلى إثبات، بل هو مجبول للطباع ما لم يمنع منه مانع، ولا ريب أن الخفاء لا يكون إلا لمخالفته لأصل أو ظاهر. نعم، يشكل الأمر في صورة تعارضهما، ويأتي البحث فيها.
ومرادهم من (الظاهر) و (الأصل) ليس بظاهر. وربما يقال: إن الظاهر إن كان مما قام دليل على اعتباره فهو خارج عن محل البحث، فإنه لا ريب في تقدمه على الأصل ولزوم اتباعه، كالبينة في الموضوعات والكتاب والسنة في الأحكام، وإنما المراد هنا بالظاهر ما لم يقم دليل على اعتباره كالظن العادي والحاصل من الغلبة ونحو ذلك، كما يتضح في ضمن الأمثلة.
إذا عرفت مرادهم من (الظاهر)، فنقول: إن الظاهر من (الأصل) حينئذ هو الشئ المعتمد المعتبر شرعا، سواء كان راجعا إلى النفي، كأصل البراءة، واستصحاب العدم، وأصالة العدم بناءا على كونها قاعدة. أو راجعا إلى الأثبات، كاستصحاب الوجود، وأصالة بقاء شغل الذمة، وأصالة الصحة في العقود.
والإيقاعات، وأصالة الصحة في الأعيان الخارجية، وأصالة الطهارة ونظائر ذلك، فإن هذه كلها أصول يعد من خالفها مدعيا، وعلى ذلك يدور مدار الدعاوي بين الناس غالبا، ومدار الفروض المذكورة في أبواب الفقه من صور الدعاوي