فليس المراد من النية خصوص قصد التقرب ولا مطلق القصد، ومن العمل خصوص العبادة، بل الظاهر من العمل الأعم، ومن النية قصد الجهة المقصودة والعلة الغائية، فيكون تصور الأثر وإرادته من العمل شرطا في ترتب ذلك الأثر شرعا، وهو كاف في إثبات المدعى، فتأمل فإنه من مطارح الأفهام.
فاعتبار القصد في المعاملات بهذا المعنى مما لا شبهة فيه.
نعم، بقي الكلام (1) في أن هذا القصد في الإيقاع يعتبر في الموقع حال إيقاعه، وذلك واضح، وفي العقد أيضا، يعتبر في حال تكلم كل من الموجب والقابل بما هو من جانبه، ولكن هل يعتبر بقاء هذا القصد والشعور بهذا المعنى للفظ والمعنى في كل من المتعاقدين في كل من الإيجابين - بحيث لو قال البائع: (بعت) قاصدا فغفل أو نسي أو زال قصده بطور آخر، فقال القابل: (قبلت) لم يصح أولا، بل المعتبر كون كل منهما قاصدا فيما هو من جانبه؟ وجهان.
والأقوى: اعتبار القصد مطلقا، لما ذكرناه من الأدلة، فإن المتبادر من أدلة العقود إنما هو ما كان المتعاقدان قاصدين في مجموع الإيجاب والقبول.
مضافا إلى أن العقد هو المركب من الإيجاب والقبول، فلابد من كونهما قاصدين في المجموع حتى يكون العقد منهما مع القصد. والتوزيع - بكون أحدهما قاصدا في الإيجاب والاخر في القبول، أو كليهما قاصدا في أحدهما، أو أحدهما قاصدا في أحدهما - خلاف الظاهر من النصوص والفتاوى.
وبقي هنا إشكال (2)، وهو أن ظاهر ما ذكرناه اعتبار قصد اللفظ والمعنى، ولذلك أخرجنا الهازل، فيشكل الأمر في (3) صحة عقد المكره، مع أن الأصحاب في باب العقود أطبقوا على صحة عقود المكره لو لحقه الرضا وإن لم يقولوا بصحة الإيقاعات من المكره وإن رضي (4) بعد ذلك، بناءا منهم على أن الإيقاع لا يكون