في لزوم دفع القيمة، وهو الذي يعبر عنه ب (ضمان الحيلولة) إذ الواجب التأدية، وليس الممكن هنا إلا القيمة، ولكن قد سبق منا أن القيمة إنما هي قيمة يوم التلف، كما عليه الأكثر. وهل هو آت في المقام أيضا؟ فتكون القيمة قيمة وقت غصب الغاصب من يد الضامن وقيمة وقت نسيان الموضع، أوليس كذلك؟ لعدم كون هذا تلفا في الحقيقة، إذ العين باقية وهي في ملك المالك، ودفع القيمة حينئذ دفع للضرر وهي مراعاة (1) بعدم التمكن من أصل المال، فلو عاد العين فيرجع المالك عليها، فاللازم حينئذ لزوم قيمة وقت دفع القيمة، لأنه وقت الانتقال إلى القيمة للحيلولة، ولا تلف في الحقيقة حتى يتعلق القيمة بالذمة.
وثانيها (2): أن العين إذا كانت مستحيلة لا بنماء موجب لزيادة القيمة - كإنبات الحب وإفراخ البيض - بل بما يوجب النقص في القيمة - كما لو استحالت ملحا أو نحو ذلك مما له قيمة في الجملة - ففيه احتمالات:
أحدها: وجوب ردها إلى المالك مع أرش النقص إن كان هناك نقص، وإلا فمجردا عنه بناءا على أن ذلك عين ماله بالاستصحاب.
وثانيها: وجوب دفعها مع الأرش وإن لم يكن نقص، لأنه بدل عن الصورة النوعية التالفة عن المالك، ولم يبق إلا الصورة الجسمية، وأما الصورة الحادثة فهي ليست مالا للغاصب حتى يقابل بدفعها الصورة النوعية الفائتة فيسقط الأرش، بل هي نماء ملك المالك، بل لو فرض كونه من فعله وملكا له أيضا فلا احترام له حتى يثبت بذلك عوض يقابل مال المالك، فتدبر.
وثالثها: وجوب دفع المستحال إليه - كالملح - من باب القيمة، ووجوب تكميله بالزائد من قيمة المستحيل، لأن الاستحالة تخرجه عن ملك المالك فيتملكه الغاصب بالحيازة، وأما وجوب دفعه قيمة، لما في ذلك من دفع ما هو أقرب إلى العين، ولأن للمالك تشبثا به في الجملة.