والثالث: قوله تعالى: وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم (١) فإنه أمر بامتحان الأيتام قبل البلوغ بالمعاملات، ولا يكون إلا بصحة معاملاتهم، ومنشؤه الاحتراز عن تأخير الدفع مع وجود الاستحقاق، فيكون الدفع عند البلوغ مع كون الابتداء قبله.
والرابع: أنا نعلم: أن الحجر على الصبي في التصرفات إنما هو من جهة أنه يتلفه ولا يصلحه، ومتى ما علم أنه لا يتلف - كما نراه في كثير من الصبيان في زماننا، فإنهم أشد مداقة ومماكسة من البالغين - فلا ضرر فيه، ويرشد إلى هذه العلة الأمر بالدفع مع الرشد، وليس معناه إلا ملكة الإصلاح للمال.
والخامس: جريان السيرة على معاملة الصبيان في كل مصر وزمان ولو كان هذا باطلا لمنع منه في كل عصر.
والجواب: بأن العمومات المسوقة مساق التكاليف ك ﴿أوفوا بالعقود﴾ (2) و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض (3) ونحو ذلك لا تشمل الصبيان، لعدم صلاحيتهم للتكليف وخروجهم عن ذلك بما دل على شرطية البلوغ في التكليف.
وهنا بحثان:
أحدهما: أن هذه العمومات تدل على حكم تكليفي - كوجوب الوفاء ونحوه - وعلى حكم وضعي نعبر عنه بالصحة، وما دل من المخصص على خروج الصغار إنما دل على عدم الحكم التكليفي، وأما الحكم الوضعي فهو باق على عمومه، فلا يلزم من ذلك عدم الصحة.
وجوابه: أن الحكم الوضعي هنا تابع للحكم التكليفي، إذ لم نفهم الصحة إلا بوجوب الوفاء، ومتى خرج الصبي عن هذا الحكم فلا دليل على صحة معاملاته،