ولا يخفى أن الأذن الصريح والفحوى - على ما ذكره بعضهم من اختصاصها (1) بدلالة اللفظ - لا يشملان (2) ما وقع بالإشارة أو بالكتابة، فإنهما ليستأمن أفراد اللفظ، فينبغي على ذلك دخولهما تحت شاهد الحال، مع أن تعريفهم لا يشمل ذلك. والظاهر أنهما داخلان تحت الصريح والفحوى، بمعنى: أنهما قائمان مقام اللفظ، فإن كان دلالتهما على الأذن بأصل المدلول والمنطوق - بمعنى ملاحظة الوضع الأولي الافرادي - فهما داخلان في الصريح، وإلا فهما داخلان في الفحوى، وشاهد الحال غير ذلك في الصورتين. ولا فرق في دخولهما تحت الأذن بين قدرة المشير أو الكاتب على التلفظ، أو عجزه عنه لخرس، أو اعتقال لسان أو نحو ذلك.
وعلى التقادير كلها: فتارة يلاحظ الأذن بالنسبة إلى الحكم التكليفي - وهو الحل والحرمة - بمعنى كون الأذن سببا للحل، وتارة يلاحظ بالنسبة إلى الحكم الوضعي، وهو ارتفاع الضمان. وعلى التقادير كلها: فمرة يكون الأذن من هذه الأسباب مظنونا، ومرة يكون مقطوعا بالعلم العادي الذي عليه المدار في الأحكام. وعلى التقادير كلها: فمرة يصادف العلم أو الظن الواقع - بمعنى كون الواقع كما اعتقده المتصرف - أو لا يصادف الواقع، فالأقسام ستة وخمسون، والبحث في مقامين:
المقام الأول: بالنسبة إلى الحكم التكليفي، فنقول: أما الأذن اللاحق للتصرف - المسمى بالإجازة - فلا ثمرة له في حكم الحلية، فإن المكلف في حال التصرف متى ما لم يكن مأذونا من المالك فقد أتى بالمحرم، والرضا المتعقب لا ينفع في ذلك، ولا فرق بين كون الإجازة بقول أو إشارة أو كتابة، مظنونة أو مقطوعة (3) أو غير ذلك من الأقسام، وبعبارة أخرى: الأذن اللاحق لا يرفع التحريم السابق.