تنبيه:
قد ذكر بعض الفقهاء - منهم المحقق الثاني (1) - أنه لو دفع المشتري عين مال لغيره ثمنا عن مبيع وقصد الشراء لنفسه، أو دفع البائع عين مبيع لغيره وقصد البيع وتملك الثمن لنفسه، أو عكس بأن دفع عين مال لنفسه (2) واشترى لغيره مبيعا، فإنه تصير المعاوضة على مالكي العوضين دون ذلك الغير المقصود، فإن كان المالك مباشرا فبنفس العقد، وإن كان المباشر غيره فبالإجازة.
ومقتضى هذا الكلام عدم تبعية العقد للقصد حتى في الأركان، وذلك خلاف ما قررناه، فإن زيدا لو دفع دينارا هو عين ماله ليشتري لعمرو ثوبا فإنه يصير الثوب ملكا لزيد لا لعمرو، مع أن المقصود أن يكون الثوب لعمرو. وكذا لو دفع الغاصب المغصوب على أن يشتري شيئا لنفسه فيصير المبيع لمالك المغصوب مع إجازته، لا للغاصب.
وعلله المحقق الثاني رحمه الله بأن قاعدة المعاوضة انتقال كل من العوضين إلى مالك العوض الآخر لا إلى غيره، وإلا لخرج عن كونه معاوضة (3).
فحينئذ نقول: لا ريب أن تبعية العقود للقصود يقتضي أن يقع الملك لمن قصد في ضمن العقد، لأنه الركن الملحوظ وغيره ليس بمقصود، فلا وجه لتأثير العقد فيه، إذ لو قلنا: (بعت المال لزيد) لا يكون الملك لعمرو بالبديهة، والقاعدة التي أشار إليها المحقق الثاني رحمه الله - من اقتضاء المعاوضة انتقال كل عوض إلى من انتقل منه العوض الآخر - يقتضي كون الملك لمالك العوض دون ما قصد، فيتعارضان، والمتجه حينئذ البطلان، لفوات شرط القصد بالنسبة إلى المالك، وفوات وجود العوض بالنسبة إلى المقصود، فالحكم بالصحة ووقوعه للمالك لاوجه له.
لا يقال: إن صحة المعاملة للمالك إنما هو بحسب الظاهر وعدم سماع دعوى