على نفي الكمال أو رميهما بالإجمال - كما صدر عن بعضهم - لاوجه له، إذ الأول بعيد عن الحقيقة، والثاني فرع تعذر الحقيقة وعدم وجود المجاز القريب، وهنا ليس كذلك.
فإن قلت: إن المتبادر من النية المطلقة في الروايات ليس القصد، بل الظاهر منها قصد التقرب، ولذلك تمسك الفقهاء بها في اشتراط قصد التقرب في العبادات، ولا يمكن هذا الاستدلال إلا مع ظهور إرادة قصد التقرب، وليس الكلام في العبادات في اشتراط القصد المطلق، إذ هو مما لا ينفك عن الفاعل المختار كما نصوا عليه - وقد مر ذلك في عناوين العبادات (1) - فإذا لا دلالة في هذه الروايات على ما ذكرته.
قلت: يمكن أن يقال (2): إن النية بمعنى القصد، وتخصيصه بقصد التقرب لا دليل عليه، وثبوت الحقيقة الشرعية ممنوع، بل معلوم العدم، فالاستدلال هنا في محله.
نعم، يرد الإشكال في الاستدلال بها على نية العبادات، ولسنا نحن بصدده.
وثانيا يمكن أن يقال: إن المراد من النية هنا قصد جهة ذلك العمل، وبعبارة أخرى: أن القصد وإن كان معنى النية، لكنه بقرينة ذكر العمل بل الأعمال المفيدين للعموم في الخبرين يفهم أن المراد بالنية قصد غاية العمل والجهة المقصودة منه، فيصير المعنى: لاعمل، أي: لا يكون عمل صحيحا إلا بنية ما هو المقصود منه، أي:
جعل العمل لأجله، فيدل على أن صحة كل عمل مشروط بقصد غايته المجعولة له شرعا أو عقلا أو عادة، فعلى هذا فلابد في العبادة من قصد التقرب، إذ الغاية التي شرعت لها العبادات هو التقرب، إما بأن نعلم ذلك، أو نشك في الغاية (3) والمتيقن هو التقرب اللازم للطلب - كما أسسناه في بحث كون المأمور به عبادة (4) - وفي المعاملة لابد من قصد النقل أو الفك أو نحو ذلك من الآثار والغايات التي شرعت المعاملة لأجلها.