بحلفه اليمين المردودة، ولو نكل سقط دعواه، إلا في مقامات لا يمكن فيها رد اليمين عليه، وهي خارجة عن البحث.
وإن كان سماع قوله ابتداءا من دون حاجة إلى رد اليمين أو النكول كما في المواضع التي أشرنا إليها وغير ذلك - كما يظهر بعد التتبع - فلابد حينئذ من اليمين أيضا، إلا في ما دل الدليل على نفيه فيه، والوجه في ذلك أمور:
أحدها: ظهور الإجماع من الأصحاب على أن من قدم قوله فلابد فيه من اليمين، بحيث يحتاج (1) في نفيه إلى دليل دون إثباته، كما لا يخفى على من راجع كلامهم. وليس هذا إجماعا في الموارد الخاصة حتى لا ينفع في مورد الشك، ولا إجماعا على الاستغراق حتى لا يقبل التخصيص بعد تحققه، بل هذا إجماع على القاعدة، بمعنى: أن البناء فيما لم يدل دليل على عدم اليمين فيه على ثبوته إجماعا، نظير أصالة الطهارة والبراءة، ونحو ذلك من القواعد المجمع عليها.
وثانيها: ما حصل من الاستقراء والتتبع في هذا المقام في النصوص وكلام الأصحاب، فإن الغالب في من يقدم قوله اليمين، غلبة تكاد تبلغ حد الاستيعاب، ولم يخرج عن ذلك إلا مواضع نادرة جدا، بل هي أيضا ليست من باب الدعاوي والتنازعات في الحقيقة، ففي باب الدعوى لا أظن ما خرج منه إلا في غاية الندرة، سواء كان ثبوت اليمين فيما ثبت بالنص كما هو في كثير من الموارد، أو بالإجماع كما في بعض، فمورد الشك الخالي عن نص وإجماع يلحق به بعد هذا الاستقراء المقارب للتمام، المفيد للظن المتاخم للعلم.
وثالثها: أن سماع قول المنكر قد عرفت أنه بنص وإجماع محتاج إلى اليمين، مع أن كلامه إما موافق لأصل أو لظاهر، وخلافه مخالف لأصل أو لظاهر أولهما، فسماع قول المدعي لابد أن يتوقف على اليمين بالأولوية، لأن قوله أضعف من قول المنكر، فكيف يعقل سماع قوله بلا حجة أصلا مع أن قول الأقوى لا يسمع إلا بحجة؟