الاخر، واليد هنا لا عبرة بها، لأن الحر لا يدخل تحت اليد، فأصل اليد محل نزاع.
وبعبارة أخرى: نزاعهم في الحرية والرقية يرجع إلى النزاع في أن له يدا عليه أم لا، فيقدم المنكر، ولذلك ذكر الأصحاب: أن الإنسان لا يملك إلا بالسبي مع الكفر الأصلي أو بملك أصوله الموجب لمملوكية الأولاد، وإلا فهو بحسب الأصل حر.
وأما الرشد والسفه: فلا ريب أن المشكوك فيه من جهتهما يحكم عليه (1) بالرشد، لأن السفه عيب والأصل في الأعيان الخارجية الصحة، واستصحاب عدم الرشد باعتبار عدم كونه رشيدا في آن الصغر غير آت، لأن السفه عبارة عن نقصان العقل، وهو غير عدم الإدراك للصغر، كما أن عدم تمييز الطفل في الأمور بين الحسن والقبح (2) لا يعد جنون.
وبعبارة أخرى: عدم التمييز والاستقامة مرة يصير من عدم الاستعداد والقابلية، بحيث لو ألقي عليه ذلك وفهمه أيضا ليس فيه أهلية ذلك، وهذا هو الذي نسميه بالجنون عند فساد العقل، وبالسفه عند نقصانه. ومرة يصير من جهة عدم سماع الكيفية كما في الأطفال، أو من عدم المزاولة كما في الكبار أيضا في الأمور التي لم يباشروها ولم يباشروا أهلها من الصنائع والحرف، وهذا لا يعد سفها ولا نقصا في العقل، وذلك واضح، فعلم أن السفه نقص وعيب، والأصل عدمه.
وقد كثر القيل والقال في بيان معنى السفه، والحق: أنه أمر عرفي. وجعل الشيخ قدس سره الفاسق سفيها لما ورد في الخبر (أن شارب الخمر سفيه) (3) ليس في محله، إذ هو لا يدل على معنى اللفظ، أو يراد به من أسرف ماله في المحرم، أو يراد التشبيه، أو يراد سفه عقل المعاد لاعقل التكليف والمعاش. ولنعم ما قال الشهيد الثاني رحمه الله: إن الفاسق لو كان سفيها محجورا عليه لم يقم للمسلمين سوق أصلا (4)