ويندفع بأن اندفاع الضرر وإن كان له طرق متعددة، لكنه بأي نحو فرض يلزم منه ضرر آخر سوى الخيار، وتفصيله قد مر في بحث الضرر فلا نعيده، وعليك بالتدبر. مضافا إلى أن الأدلة تنصرف إلى ما هو المعتاد عند الناس في دفع ذلك الضرر حيث لم يعين الشارع له طريقا معينا، ولا ريب أن طريقة الناس في المعاملات إذا فعل واحد منهم خدعة أو تدليسا أضر بهما الاخر إذا أرادوا دفع ذلك يقولون: (خذ مالك وأعطني مالي) وأما (أنك ادفع ما به التفاوت) ونحو ذلك فهذه أمور مستلزمة (1) لتكلفات كثيرة وأحكام مخالفة للأصل من جهات، سيما أن الضرر الناشئ من المعاملة إنما يرتفع لو خلي وطبعه بارتفاعها، ولا يلزم البطلان، لعدم الحاجة في رفع (2) الضرر إليه، بل يكفي في ذلك الخيار، فتدبر.
وهنا إشكال آخر، وهو أنا لو بنينا على إثبات الخيار بمجرد الضرر لزم من ذلك فتح باب عظيم، إذ ليس هناك معاملة، إلا ويتحقق فيها ضرر على أحد المتعاقدين غالبا، إذ جهات لزوم الضرر مما لا تنضبط كما لا يخفى، فكيف يعقل القول بأن أدلة نفي الضرر تثبت الخيار؟
ويندفع بأن الضرر الموجب للخيار يعتبر فيه أمور ثلاثة:
أحدها: أن يكون مما لا يتسامح به عادة ولا يتحمل في طريقة الناس مثله، وهذا القيد قد استفيد من إطلاق لفظ (الضرر) فإنه ينصرف إلى ما يعتد به، بل يمكن أن يقال: إن ما يتسامح به في العادة لا يعد ضررا أصلا.
وثانيها: أن يكون الضرر ناشئا عن المعاملة وعن المتعاقدين، لا عن سبب سماوي، ولا عن أجنبي، وبعبارة أخرى: يشترط أن يكون الضرر ناشئا عن حيثية المتعاقدين في جهة العوضين، فلا يرد أن انقطاع الماء في المزارعة موجب للخيار، مع أنه ليس من جانب المتعاقدين. ووجه الدفع: أن انقطاع الماء يوجب كون الأرض المعامل عليها مما لا ينتفع بها، فإعطاؤها في مقابل العمل على