وبالجملة: فرق بين كون الأفراد الغالبة مما لا يقدم فيه (1) إلا على الحصول وعدم ضرر وبين ما لا يقدم فيه إلا على الضرر، فإن الناس مسلطون على أموالهم، فإن بني على هبة ماله أو المعاوضة بما هو معلوم النقصان الفاحش فلا بحث، لأنه مقدم على بذل ماله على كل حال، بخلاف صور الغرر فإن الأقدام فيها (2) غالبا على الحصول وإن كان غير موثوق به، فتدبر جدا.
ومن هنا علم: أن الغرر متى ما تحقق لزم منه البطلان، ولا ينفع في ذلك إقدام المتعاقدين، تعبدا بحكم الشرع المجعول لسد الباب وقطع التجاذب والتنازع الحاصلين من دعوى المشتري - مثلا - الأقدام على أنه يحصل ودعوى البائع أنك أقدمت (3) عليه كيف كان، ومطالبة المشتري الإقباض، ودعوى البائع إقدامه على ما لا يمكن فيه ذلك فيسقط. ونظير ذلك (4).
ولا بعد في عدم تجويز الشارع ذلك وإن رضي المتعاقدان، إذ هو غير عادم النظير، فإن الإسراف ممنوع منه وإن رضي المالك، مضافا إلى أن الفرق بين الباب وبين مثل الهبة ونحوها واضح مما ذكرناه، فلا إشكال.
وثالثها: أن الشهيد رحمه الله قال في القواعد: إن الغرر عبارة عن جهل الحصول، وأما المجهول فمعلوم الحصول مجهول الصفة، وبينهما عموم من وجه (5).
وظاهر كلامه: أن ما لا يوثق بحصوله ووجوده يصير (6) من باب الغرر، وأما ما علم وجوده في الجملة - بمعنى كونه موجودا خارجيا معينا في الواقع غير معين عند المتعاقدين أو أحدهما، أو كليا موصوفا بما لا يرتفع (7) به الغرر، بل يبقى تحته أفراد متفاوتة في القيمة والرغبة تفاوتا معتدا به مع عموم وجود أفراده، فإن