شيئا آخر، فإنه لا يتحقق نزاع إلا إذا رجع أحد الاثباتين إلى نفي معارض للاخر، أو أحد النفيين إلى إثبات معارض للاخر.
وبالجملة: لابد من نفي وإثبات واردين على شئ واحد ولو بالحيثيات، ولذا (1) لو أثبت أحدهما عاما ونفى الاخر خاصا لا يتحقق الدعوى، كما لو قيل:
(اني أطلب منك عشرة دراهم) فقال: (إني لست بآخذ منك قرضا) فإنه غير مناف للدعوى، إذ لعل الدراهم ضمان إتلاف أو ثمن مبيع، أو نحو ذلك. ولو أثبت أحدهما خاصا ونفى الاخر العام تحققت الدعوى، كما لو قال: (لي عليك عشرة من ثمن مبيع) فقال: (لست بمشغول الذمة لك) لأن نفي الأعم مستلزم لنفي الأخص أيضا فيرد النفي والاثبات على موضوع واحد.
ولو كان بين المثبت والمنفي عموم من وجه - كما لو قال: (لي عليك مثقال من الذهب) فقال: (ليس علي شئ مسكوك) فإن الذهب أعم من المسكوك وغيره، كما أن المسكوك أعم من الذهب - لا يتحقق أيضا دعوى، لأن النفي يمكن وروده على شئ مغاير لما أثبته المدعي، إذ لعل مراد المدعي مما أثبته الفرد الذي ليس مادة الاجتماع، فنفي ما هو أعم من وجه لا يستلزم نفي مثله.
فتوجه النفي والاثبات على أمر واحد - ولو بالمآل - إنما هو من مقومات الدعوى عرفا ولغة، ولا يتحقق دعوى وإنكار إلا بنفي وإثبات، وكل ما هو مغاير صورة فهو راجع إليهما معنى، فتبصر.
وأما اعتبار كونه بحيث لو أثبته المنكر أيضا لكان هناك نفع للمدعي، فالظاهر أن هذا ليس من مقومات الدعوى، فإن كل من ادعى شيئا يسمى (مدعيا) ويسمى كلامه (دعوى) في العرف واللغة.
فالنزاع إن وقع في مسألة علمية لا ريب في تسميتهما مدعيا ومنكرا مع عدم جريان الحكم فيه، ونحو ذلك، فلو قال قائل: (إن الحجر الفلاني وقع من المكان