الثالث: (1): أن الوجه في بطلان هذه المعاملة: أن عمدة العماد في إثبات الصحة الرافعة لأصالة الفساد إنما هو جريان المعاملات في زمن الشارع على هذا المنوال وعدم تعرضه في ذلك بالقدح والبطلان، فيكون تقريرا منه في ذلك - كما بيناه - ولا ريب أن تقريره لا يكون إلا بما هو معتاد أغلب الناس، وهولا يكون سفهية. ولو فرض أن في ذلك الزمان كان يصدر منهم أيضا معاملات غير مقصودة للعقلاء - كما هو المتعارف بين الجهال والأراذل في زماننا أيضا - فلا نسلم اطلاع المعصوم عليها في ذلك الوقت، وليس صدور الفعل عادة كافيا في التقرير، بل المعتبر صدور الفعل بمرئى منه ومسمع، ولا ريب أن أمثال هذه الأمور لا يؤتى بها في حضور المعصوم عليه السلام ولو فرض الاطلاع عليها فنمنع التمكن في ذلك الوقت عن الردع، ولو سلم ذلك كله فنمنع عدم الردع. وإطباق الأصحاب على البطلان - مع أنه حجة برأسه في هذا المقام - كاشف عن صدور الردع والمنع عن ذلك كله.
مضافا إلى أن عموم قوله تعالى: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض (2) شامل لذلك، لأن الباطل في العرف ليس إلا ما لا نفع فيه، والأطلاق منزل على العرف، ولا يراد منه الباطل شرعا، للزوم الدور، فتأمل، ولأن إثبات البطلان شرعا إنما يتحقق بهذه الآية في غير المستثنى، فكيف يعقل إرادة الباطل شرعا مع أن البطلان ليس له حقيقة شرعية جزما حتى يحمل عليها اللفظ؟ ويكشف عن ذلك تمسك الأصحاب به في إبطال أكثر المعاملات الفاسدة، ولو أريد منه الباطل شرعا فلا وجه للتمسك به، مع أن استثناء (تجارة عن تراض) يدل على أن ما عدا ذلك محكوم ببطلانه وداخل تحت أكل المال بالباطل، وما نحن فيه ليس من باب (تجارة عن تراض).
فإن قلت: إن البحث في صورة المعاوضة، فيكون داخلا تحت (تجارة عن تراض) فهذا يدل على صحته، لا فساده.
قلت: أما أولا: إن التجارة يراد بها ما هو وصلة إلى تحصيل المال، ولا ريب