ولكن العمدة في فتح هذا الباب وإثبات الخيار في هذه المقامات الكثيرة - مع أن العقد لازم بالأصل - إنما هو عموم ما دل على نفي الضرر والضرار، كما حققناه في بحثه (1).
وبيان ذلك: أن عموم أدلة اللزوم من قبيل أوفوا بالعقود ونحوه دل على لزوم الوفاء مطلقا، سواء كان هناك ضرر أم لا، وأدلة نفي الضرر والضرار دلت على أن الحكم الذي ينشأ منه الضرر والضرار منفي في الشرع، كما أن الضرر الواقع من العباد بعضهم إلى بعض منهي، سواء كان من جهة لزوم العقد أو من جهة أخرى، فالتعارض بينهما بالعموم والخصوص من وجه، ومورد الاجتماع ما إذا لزم الضرر والضرار من لزوم العقد، فأدلة الضرر تنفي الضرر وأدلة اللزوم تثبت اللزوم المستلزم للضرر، فيقدم قاعدة نفي الضرر هنا لوجوه:
أحدها: أن الأضرار محرم والوفاء بالعقد واجب، فيصير هذا من باب اجتماع الحلال والحرام (2) مع عدم إمكان الجمع، ولا ريب أن في هذه الصورة يحكم العقل بتقديم جانب النهي، لأن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة.
فإن قلت: كما أن فعل الحرام مفسدة فكذلك ترك الواجب، فلا وجه لجعل الثاني جلبا (3) للمنفعة، بل هو أيضا مفسدة لابد من دفعها فيتعارضان.
قلت: المفسدة اللازمة في ترك الواجب تبعية، وفي فعل الحرام (4) أصلية، والثاني يقدم على الأول.
بل نقول: ليس غرضنا من المفسدة العقاب، بل المراد بالمفسدة ما هو كامن في ماهية الحرام موجب لتعلق حكم التحريم، فالواجب والحرام بالنسبة إلى العقاب سواء، وأما بالنسبة إلى المفسدة الكامنة والتأثير الذاتي فما في الواجب نفع لا يجوز تركه وما في الحرام ضرر يجب دفعه، ودفع المضرة أولى من جلب