والظاهر أن مصادفة الواقع شرط، ومجرد الاعتقاد بأنه إحسان غير كاف، بل لابد من كونه في الواقع دافعا للضرر، لأنه المتبادر من لفظ (الإحسان).
ولو زعم أنه ليس دفع ضرر واتفق أنه في الواقع في ذلك الوقت كذلك فهل يسمى ذلك إحسانا أم لا؟ فيه وجهان.
والذي يقتضيه النظر: اعتبار القصد أيضا في صدق لفظ (الإحسان) ومجرد كونه في الواقع دفع ضرر لا يكفي في صدق اللفظ كما يقضي به العرف، فمتى ما كان قصده الإحسان واتفق أنه صادف الواقع وكان في (1) دفع مضرة فهو داخل في الآية موجب لعدم الضمان، وفي جلب المنفعة يجئ الكلام السابق.
والظاهر أن بعد تحقق موضوع الإحسان لا يفترق الحال بين إمكان إعلام المالك وعدمه، فلا يضمن من أثبت اليد لدفع المضرة وإن أمكن إعلام المالك، فتبصر.
ثم بعد تحقق الإحسان إن اتفق التلف بفعل المحسن - بمعنى عدم مصادفة فعله المصلحة الواقعية - فيجئ الضمان من جهة الكشف عن عدم الإحسان. وإن اتفق التلف بآفة سماوية أو بإتلاف سبب آخر فلا ضمان على المحسن وإن كان بيده، ما لم يقصر في الدفع أو الإيصال إلى صاحبه، أو إعلامه بالأخذ، فتدبر.
وهنا إشكال، وهو: أنهم ذكروا في باب اللقطة ونحوها من سائر الأمانات الشرعية - كالدين المجهول صاحبه، والقراضة في دكان الصائغ مع جهل أربابها (2) ونحو ذلك من الصنائع -: أن صاحب اليد يتصدق به عن المالك، وعللوا جوازه بأنه إحسان محض إلى المالك، ومع ذلك حكموا بأنه لو ظهر مالكه فهو ضامن، وهذا لا يجتمع مع كون الإحسان مسقطا للضمان.
والدفع: أن حكمهم بالضمان هناك من جهة كون التصدق إحسانا بشرط الضمان - بمعنى: أن تحقق الإحسان هناك معلق على الضمان - لأنه إن ظهر صاحبه فهو ضامن يعطيه، وإن لم يظهر فقد وصل إليه الصدقة، فبالمجموع المركب