في قبض المال أو التصرف فيه لمصلحة المالك، لا لمصلحة القابض نفسه، ولا للمركب منهما، بل المعتبر هو كون [هذا] (1) القبض للمالك، إما لدفع ضرر عنه، أو حصول نفع له، مع كونه مأذونا من المالك أو من الشرع، فهو أخص من الأذن مطلقا، وليس كل مأذون أمينا كما أوضحناه. فنقول: في مثل الأمثلة التي ذكرناها:
من الودعي والمرتهن والمستأجر والوكيل ونحو ذلك - التي (2) حكم فيها الأصحاب بأنهم امناء لا يضمنون إلا بالتعدي أو التفريط - ليس القبض إلا لمصلحة المالك، ومن جهة ذلك سمي أمينا (3). وأما فيما ذكرناه أخيرا من الأمثلة فليس كذلك، ويحتاج تنقيح البحث في هذا المقام إلى بسط في الكلام.
فنقول: إن الصانع والطبيب والأجير ونحو ذلك إنما يقبض المال لمصلحة نفسه وهي طلب الأجرة، والمالك إنما يدفعه إياه طلبا للإصلاح دون الإفساد، فليس للأمانة الصرفة، وكذلك من تصرف في مجهول المالك فحفظه لمصلحة المالك ولكن الصدقة أو التملك من دون الضمان لا مصلحة فيه للمالك، ومثله القابض بالسوم فإنه وإن كان فيه رخصة للمالك، لكن عمدة القبض إنما هي لملاحظة مصلحة نفسه حتى يسلم عن الغبن والخطأ.
والمال المقبوض بالعقد الفاسد لا شبهة في كونه لمصلحة القابض، لأنه بإزاء العوض الفائت منه، وكذلك ما بقي في يد المالك قبل الإقباض، فإنه لانتظار الإقباض من الجانب الآخر أو لمصلحة غيره، ولذلك لو وكله المالك في قبضه فصار أمينا للمالك لا يضمن. وأوضح من ذلك إذن المالك للغاصب في البقاء، فإنه لرفع الضيق والمعصية والفورية عن الغاصب، لا لمصلحة المالك. نعم، لو وكله في القبض من جانبه كان كذلك وارتفع الضمان.
وبالجملة: الاستئمان عبارة عن كون هذا الأذن والاقباض لمصلحة المالك، وأنت إذا تأملت في مقامات الأمانة وجدت كلها كذلك، فعدم ضمان الأمين ليس