فظهر أن الشرط المقارن لا مانع من التعليق به إذا أمكن التعليق في المقام، ولا منافاة فيه نوعا، وإنما البحث في أن فساد قولك: (بعتك الحنطة إن كانت حمراء) هل هو من جهة دليل تعبدي ومانع شرعي، أم لا؟
فنقول: الظاهر أن التعليق فيه ممتنع عقلا وإن جاز في الوكالة، وبعبارة أخرى نقول: التعليق بالشرط المقارن غير مناف للإنشاء كالمتأخر وإن كان يمتنع لوجه آخر، وبيان امتناعه هنا يتحقق ببيان أمور:
أحدها: أن التعليق توقف شئ على شئ، وذات الأمور الخارجية والنفس الأمرية ولو معدومة لا يعلق بشئ، وإنما المعلق وجوده (1) لا نفس الماهية، وليس في ذلك فرق بين الأعيان والمنافع والأعمال الاختيارية والاضطرارية.
وبالجملة: كل ماهية معقولة يمتنع توقفها بنفسها على شئ، بل وجودها، وإذا كان موجودا فلا يقبل التعليق حينئذ أصلا، إذ الموجود ما حصل وجوده، والحاصل لا يعلق، وتوقف الاستمرار على شئ آخر غير ما نحن فيه.
وثانيها: أن الفعل الصادر عن الفاعل ما لم يصدر عنه قابل للتعليق والتنجيز، وبهذا الاعتبار يتعلق به الأحكام الوضعية والتكليفية، كما يجوز للمولى أن يقول لعبده: (أطلب منك بيع هذا الشئ) يصح أن يقول: (أطلب منك بيعه في اليوم الفلاني) ومتى ما صدر عن الفاعل فغير قابل للتعليق مطلقا، والمراد بكون اليوم قيدا للبيع: كون وجوده المطلوب في ذلك اليوم، فإن الماهية بنفسها لا تعلق.
وثالثها: أن أسماء الأفعال - كالقيام والضرب والتمليك - المعبر عنها بالمصادر لا تطلق إلا بعد وجود الماهية الموضوع لها في الخارج بوجود المقتضي ورفع الموانع، فلو أتى زيد بشئ مقتض لحصول الضرب فحجب عنه مانع لا يقال:
(ضرب) وكذا نظائره، فإنها اسم (2) للأفعال، لا للملكات والاستعدادات، سواء كانت صرف قابلية كالضرب قبل وجود المقتضي سنخا، أو استعدادا قريبا كما لو وجد