لا يسمع قول أحدهما بلا حجة. وبعبارة أخرى: مساق هذه العبارة يقضي بكون الاحتياج في الدعوى في تقديم قول أحدهما إلى حجة ومرجح من المسلمات والواضحات، وإنما البحث بقي في تعيين ذلك، فجعل الشارع الوظيفتين وعينهما.
وأما أن أصل الحاجة إلى مرجح فهو مسلم، ونظير ذلك في العرف واضح، فإن في صورة اختلاف زيد وعمرو لو قال قائل: إن قول زيد لا يقبل إلا بتصديق بكر وقول عمرو لا يقبل إلا بتصديق خالد علم من هذه العبارة - مضافا إلى معرفة الضميمتين - أن قول شئ (1) منهما لا يقبل بلا مرجح، فيصير النبوي المعروف ذا دلالتين، فيدل بسياقه على الحاجة إلى الحجة كيف كان وليست إلا البينة واليمين، فمتى ما دل الدليل على نفي البينة فانحصر الطريق في اليمين، وذلك واضح.
وسابعها: أن مقتضى الاعتبار العقلي أيضا كونه كذلك، فإن المتداعيين من جهة كونهما - مثلا - مسلمين مؤمنين متساويين في العبودية في نظر الشارع لاوجه لترجيح قول أحدهما من دون شئ يكون حجة وكاشفا عن الواقع رادعا عن الباطل، مع تساويهما من سائر الجهات، ولا ريب أن بعد تساقط كلاميهما لا مرجح سوى اليمين، لنفي البينة بالدليل، ولا ثالث بالإجماع.
ولو فرض ورود دليل مطلق في سماع قول المدعي بحيث يكون نافيا لليمين في الظاهر فلابد من التأمل فيه، فإن كان إطلاقه مسوقا لبيان سماع القول بلا بينة فلا دلالة فيه على نفي اليمين، فيثبت اليمين بقاعدة أخرى، كما ذكره الأصحاب في مقامات كثيرة مع كون النص مطلقا، ومنعوا من لزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة، غايته لزوم تأخيره عن وقت الخطاب، وإطلاقه لا ينافي ثبوت اليمين من قاعدة أخرى. نعم، لو كان صريحا في نفي اليمين أو مطلقا بحيث يدل على نفيه كنفي البينة، فلا نتحاشى حينئذ من سقوط اليمين.
وظاهر الأصحاب في باب العبادات المالية - كالزكاة والخمس ونحو ذلك -