مضافا إلى أن هذه الإيقاعات فيها تحليل وتحريم، وليس شئ منها تحليلا فقط أو تحريما فقط، فإذا كان الفعل كافيا لزم اجتماع الأمرين فيه، والتبعيض بترتيب آثار أحد الأمرين - إما التحليل أو التحريم - مناف للإجماع، بل الضرورة، ومثل ما مر في هذا الحكم النذر والعهد واليمين.
نعم، إنما البحث في جملة من الإيقاعات التي هي تشبه العقود، كالوقف على الجهات العامة والوصية لها، وكالإذن الموجب لإباحة التصرف وسقوط الضمان، وغير ذلك من أحكامه، ومثله (1) الإجازة وبذل الزاد والراحلة الموجب لوجوب الحج على المبذول له، والأخذ بالشفعة بناءا عل أنه إيقاع، والتدبير بناءا على أنه وصية لا عتق، كما عليه الأكثر.
والحق عدم الجواز في التدبير، لما مر من الوجوه السابقة. نعم، في غيره مما ذكرنا يقوى في النظر كونه منشأ للأثر لوجهين:
أحدهما: أنه يصدق البذل والأذن والوصية والوقف بالفعل المقصود به ذلك، كما نشاهد في العرف أن من بنى مسجدا يقال: إنه وقف الأمة (2)، ومن أتى بحصير ففرشه فيه أو أتى بقنديل أو بساط فوضعه في مشهد إمام أو مسجد أو نحو ذلك وكذلك لو أتى بالمال وأعطاه يقال: إنه بذله، ولو فعل فعلا دالا على الرخصة يقال:
أذن فيه، فبعد صدق هذه الألفاظ (3) التي علق عليها الحكم يثبت الصحة وترتب الآثار.
ونحو ذلك الإجازة، فإنه بمعنى الأذن، لكنه مصطلح في اللاحق دون السابق، فإن من باع مال غيره لشخص فجاء المالك فأخذ الثمن وسلم المبيع إلى المشتري يصدق أنه أجاز عرفا.
وكذلك من جاء بالثمن وأعطاه إلى المشتري فأخذ المشفوع يقال: إنه أخذ